283
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

نشكره» ، أي لأنْ نشكره ، بلام التعليل وحذفها ، أي أحسن إلينا لنشكره ، وحذفها أكثر نحو قوله تعالى : «لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أنْفُسُهُمْ أنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ»۱ .

52

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى أمراء البلاد في معنى الصلاةأَمَّا بَعْدُ ، فَصَلُّوا بَالنَّاس الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِض الْعَنْزِ ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِنَ النَّهَارِ حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ ، وَيَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَى مِنىً ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْغَدَاةَ والرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ ، وَصَلُّوا بِهِمْ صَلاَةَ أَضْعَفِهِمْ ؛ وَلاَ تَكُونُوا فَتَّانِينَ ۲ .

الشّرْحُ:

فأما قوله عليه السلام : «والرجل يعرِف وجه صاحبه» ؛ فمعناه الإسفار . وقوله عليه السلام : « وصلُّوا بهم صلاة أضعفِهم» ، أيْ لا تطيلوا بالقراءة الكثيرة والدّعوات الطويلة .
ثم قال : «ولا تكونوا فتّانين» ، أي لا تفتِنوا الناس بإتعابهم وإدخال المشقّة عليهم بإطالة الصلاة وإفساد صلاة المأمومين بما يفعلونه من أفعال مخصوصة ، نحو أن يُحْدِث الإمام فيستخلف فيصلّي الناس خلف خليفته ، فإن ذلك لا يجوز على أحد قولي الشافعيّ ؛ ونحو أن يُطيل الإمام الركوع والسجود ، فيظنّ المأمومون أنّه قد رفع فيرفعون أو يسبقونه بأركان

1.سورة المائدة ۸۰ .

2.تفيء : ترجع . مربض العنز : مرقدها . يدفع الحاج : يفيض من عرفات أي يخرج منها . توارى : اختفى . الشفق : حمرة الأُفق بعد غروب الشمس .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
282

تَجِدُوا فرَساً أَوْ سِلاَحاً يُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الاْءِسْلاَمِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ ذلِكَ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ الاْءَسْلاَمِ ، فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ .
وَلاَ تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً ، وَلاَ الْجُنْدَ حُسْنَ سِيَرةٍ ، وَلاَ الرَّعِيَّةَ مَعُونَةً ، وَلاَ دِينَ اللّهِ قُوَّةً .
وَأَبْلُوا فِي سَبيلِ اللّهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا ، وَأَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .

الشّرْحُ:

يقول : لو قدّرنا أنّ القبائح العقلية كالظلم والبغي لا عقابَ على فعلها ، بل في تركها ثواب فقط ؛ لم يكن الإنسان معذورا إذا فرّط في ذلك الترك ؛ لأنّه يكون قد حرَم نفسَه نفعا هو قادر على إيصالها إليه .
قوله : «ولا تُحشموا أحدا» ، أي لا تغضبوا طالب حاجة فتقطعوه عن طلبها ، أحشمتُ زيدا ، وجاء «حَشَمْته» ، وهو أن يجلس إليك فتغضبه وتؤذيه . وقال ابن الأعرابيّ : حشمتُه : أخجلته ، وأحشمته : أغضبته ، والاسم الحِشْمة ، وهي الاستحياء والغضب .
ثم نهاهم أن يبيعوا لأرباب الخراج ما هو من ضروريّاتهم كثياب أبدانهم وكدَابّةٍ يعتَمِلون عليها ، نحو بقر الفلاحة ، وكعبْدٍ لابدّ للإنسان منه يخدُمه ، ويسعى بين يديه .
ثم نهاهم عن ضرب الأبشار لاستيفاء الخراج .
ثم نهاهم أن يعرِضُوا لمال أحدٍ من المسلمين أو من المعاهَدِين ؛ المعاهد هاهنا : هو الذّميّ أو مَنْ يدخل دار الإسلام من بلاد الشرك على عهد ، إمّا لأداء رسالة ، أو لتجارة ؛ ونحو ذلك ، ثم يعود إلى بلاده .
ثم نهاهم عن الظّلم وأخذ أموال النّاس على طريق المصادرة والتأوِيل الباطل ؛ قال : إلاّ أن تخافوا غائلةَ المعاهَدين ، بأن تجدوا عندهم خيولاً أو سلاحا ، وتظنّوا منهم وثبة على بلد من بلاد المسلمين ، فإنه لا يجوز الإغضاء عن ذلك حينئذٍ .
قوله : «وأبْلُوا في سبيل اللّه » ، أي اصطنعوا من المعروف في سبيل اللّه ما استوجب عليكم ، يقال : هو يبلوه معروفا ، أي يصنعه إليه . قوله عليه السلام : «قد اصطنع عندنا وعندكم أن

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120865
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي