285
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللّهِ ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ : مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدُ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا ، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا ، وَأَنْ يَنْصُرَ اللّهَ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ ؛ فَإِنَّهُ ، جَلَّ اسْمُهُ ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ . وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ ، وَيَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللّهُ .
ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ ، أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ ، وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ ، وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ ، فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةً الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، فَامْلِكْ هَوَاكَ ، وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْس الاْءِنْصَافُ مِنْهَا فَيَما أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ .

الشّرْحُ:

نصرة اللّه باليد : الجهاد بالسيف ، وبالقلب : الاعتقاد للحقّ ، وباللسان : قولُ الحقّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد تكفَّل اللّه بنُصرة من نَصَره ؛ لأنّه تعالى قال : «وَلَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ»۱ . والجمَحات : منازعة النَفْس إلى شهواتها ومآربها ، ونزعها بكفّها .
ثم قال له : قد كنت تسمع أخبار الولاة ، وتعيب قوما وتمدح قوما ، وسيقول الناس في إمارتك الآن نحو ما كنت تقول في الأُمراء ؛ فاحذر أن تعاب وتذمّ كما كنت تعيب وتذمّ مَنْ يستحقّ الذم . ثم قال : إنما يستدلّ على الصالحين بما يكثر سماعه من ألْسنة النّاس بمدحهم والثناء عليهم ؛ وكذلك يستدلّ على الفاسقين بمثل ذلك . وكان يقال : ألسنة الرعيّة أقلام الحقّ سبحانه إلى الملوك . ثم أمره أن يشحّ بنفسه ، وفسّر له الشحّ ما هو ؟ فقال : أن تنتصف منها فيما أحبّت وكرهت ، أي لا تمكنها من الاسترسال في الشهوات ، وكُنْ أميرا عليها ،

1.سورة الحج ۴۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
284

كثيرة ؛ ونحو ذلك من مسائل يذكُرُها الفقهاء في كتبهم .
واعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام إنما بدأ بصلاة الظهر ؛ لأنها أوّلُ فريضة افترضت على المكلّفين من الصلاة على ما كان يذهب إليه عليه السلام ؛ وإلى ذلك تذهب الإماميّة ۱ ، وينصر قولَهم تسميتها بالأُولى ؛ ولهذا بدأ أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان بذكرها قبل غيرها .

53

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام
كتبه للأشتر النخعي۲رحمه الله لمّا ولاّه على مصر وأعمالها
حين اضطرب أمر أميرها محمّد بن أبي بكر ، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن .
ومن كتاب له عليه السلام
كتبه للأشتر النخعي ۳ رحمه الله لمّا ولاّه على مصر وأعمالها
حين اضطرب أمر أميرها محمّد بن أبي بكر ، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن .
بسِم اللّهِ الرحمّنِ الرّحيم
هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، مَالِكَ بْن الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ : جِبَايَةَ خَرَاجِهَا ، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا ، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا ، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا .

1.كنز العرفان ، للمقداد السيوري ۱:۶۲ .

2.هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي المعروف بالأشتر . شهد اليرموك والقادسية . كان خطيب قومه وفارسهم . ومن زعماء العرب وأكياسهم . من رؤوس الشيعة وأعيانهم ، الموالين لأهل البيت عليهم السلام ومخلصيهم . شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفين ، وأبلى فيهما بلاءً عظيما . عيّنه الامام عليه السلام واليا على مصر . استشهد في طريقه إليها بيد الغدر الأموية بأمر من معاوية . قال فيه الامام عليه السلام : «كان لنا ناصحا وعلى عدونا شديدا » . وقال عليه السلام حينما وصله نبأ استشهاده : «إنا للّه وإنا إليه راجعون ... اللهم إني احتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر» ، وقال عليه السلام : «للّه درّ مالك ، وما مالك ! لو كان من جبل لكان فندا ، ولو كان من حجر لكان صلدا ...» . وهذه الرسالة ، تعرف بعهد الأشتر ، وقد أخذت هذه الرسالة حظّاً وافراً من الاهتمام قديماً وحديثاً شرحاً وترجمة إلى كثير من اللغات .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123418
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي