287
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

أشعِر قلبَك الرحمة ، أي اجعلها كالشِّعار له ، وهو الثّوب الملاصق للجسد ؛ قال : لأنّ الرعيّة إمّا أخوك في الدّين ، أو إنسان مثلك تقضي رقّة الجنسيّة وطبع البشريّة الرحمةَ له .
قوله : «ويؤتى على أيديهم» ، مثْل قولك : «ويؤخذ على أيديهم» ، أي يهذّبون ويثقّفون ، يقال : خذ على يد هذا السّفيه ، وقد حجَر الحاكم على فلان ، وأخذ على يدِه .
ثم قال : «فنسْبتُهم إليك كنسبتك إلى اللّه تعالى» ، وكما تحب أن يصفح اللّه عنك ينبغي أن تصفح أنت عنهم . قوله : «لا تنصبن نفسَك لحرْب اللّه » ، أي لا تبارزْه بالمعاصي . فإنه لا يدي لك بنقمته ؛ اللام مُقحمة ، والمراد الإضافة ، ونحوه قولهم : لا أبا لك . «ولا تقولنّ إني مُؤَمّر» ، أي لا تقل : إني أمير ووالٍ آمر بالشيء فأُطاع . والإدغال : الإفساد . ومنهكة للدين : ضعف وسقم .
ثم أمره عند حدوث الأُبّهة والعظمة عنده لأجل الرئاسة والإمْرَة أن يذكر عظمةَ اللّه تعالى وقدرتَه على إعدامه وإيجاده ، وإماتته وإحيائه ؛ فإنّ تذكّر ذلك يطامِن من غُلوائه ، أي يغضّ من تعظّمه وتكبّره ، ويطأطئ منه . والغَرْب : حدّ السيف ، ويستعار للسطوة والسرعة في البطش والفَتْك . «ويُفِئ» ، أي يرجع إليك بما بعد عنك من عَقْلك ، وحرْف المضارعة مضموم ؛ لأنّه من «أفاء» . ومساماة اللّه تعالى : مباراته في السموّ وهو العلوّ .

الأصْلُ:

۰.أَنْصِفِ اللّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ ! وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللّهِ كَانَ اللّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ ، وَكَانَ للّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ . وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَسْمَعُ دَعَوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ .
وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
286

ومسيطرا وقامعا لها من التهوّر والانهماك .
فإن قلت : هذا معنى قوله : «فيما أحبّتْ» ، فما معنى قوله : «وكرهت»؟
قلت : لأنها تكره الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات الشرعية ومن الواجبات العقلية ، وكما يجب أن يكون الإنسان مهيمنا عليها في طرف الفعل يجب أن يكون مهيمنا عليها في طرف التَّرْك .

الأصْلُ:

۰.وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، وَالَْمحَبَّةَ لَهُمْ ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ ؛ وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ ؛ وإمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِيالْعَمْدِ وَالْخَطَإِ ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ ، مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ ، وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ ، وَاللّهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ ، وَابْتَـلاَكَ بِهِمْ .
وَلاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللّهِ ، فَإِنَّهْ لاَ يَدَىْ لَكَ بِنِقْمَتِهِ ، وَلاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ . وَلاَ تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ ، وَلاَ تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ ، وَلاَ تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً . وَلاَ تَقُولَنَّ : إِنِّي مُؤمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ ، فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ ، وَمَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ . وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً ، فانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللّهِ فَوْقَكَ ، وَقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ ، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ ، وَيُفِئُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ .
إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ اللّهِ فِي عَظَمَتِهِ ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ ، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 152623
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي