291
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وَتَدْرِيباً لِأَهْلِ الاْءِسَاءَةِ عَلَى الاْءِسَاءَةِ ، وَألزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا ألزَمَ نَفْسَهُ .

الشّرْحُ:

قوله : «والصَق بأهل الورع» ، كلمةٌ فصيحة ، يقول : اجعلهم خاصّتك وخُلصاءك . ثمّ رُضْهم على ألاّ يُطرُوك ، أي عودهم ألاّ يمدحوك في وجهك . ولا يبجّحوك بباطل : لا يجعلوك ممن يبجَح أي يفخر بباطل لم يفعله كما يُبَجِّح أصحابُ الأمراء الأُمراء بأن يقولوا لهم : ما رأينا أعدل منكم ولا أسمحَ ، ولا حَمَى هذا الثغرَ أمير أشد بأسا منكم ! ونحو ذلك ، وقد جاء في الخبر : «احْثُوا في وجوه المدّاحين التراب» .
فأمّا قوله عليه السلام : «ولا يكوننّ المحسن والمسيءُ عندَك بمنزلة سواء» ، فقد أخذه الصّابي فقال : وإذا لم يكن للمُحسنِ ما يَرفعه ، وللمسيء ما يَضَعُه ، زَهِد المحسن في الإحسان ، واستمرّ المسيء على الطّغيان .

الأصْلُ:

۰.وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ والٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ ، وَتَخْفِيفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَيْهِمْ ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لهُ قِبَلَهُمْ .فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلاً ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ .
وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الْأُمَّةِ ، وَاجْتَمَعتْ بِهَا الاُلفَةُ ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ . وَلاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ ، فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا ، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا .
وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ ، وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
290

الأصْلُ:

۰.إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِـلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً ، وَمَنْ شَرَكَهُمْ فِي الاْثَامِ فَـلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً ، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ ، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ ، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ وَآثَامِهِمْ ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ ، وَلاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ ؛ أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُونَةً ، وأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً ، وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً ، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً . فَاتَّخِذْ أَولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلاَتِكَ ، ثُمَّ لِيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ ، وَأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللّهُ لِأَوْلِيَائِهِ ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَع ۱ .

الشّرْحُ:

نهاه عليه السلام ألاّ يتّخذ بطانة قد كانوا من قبلُ بطانةً للظَّلمة ، وذلك لأنّ الظلم وتحسينه قد صار ملَكةً ثابتة في أنفسهم ، فبعيد أن يمكنهم الخلوّ منها إذ قد صارت كالخُلُق الغريزيّ اللاّزم لتكرارها وصيرورتها عادَةً ، فقد جاءت النصوص في الكتاب والسنّة بتحريم معاونة الظلمة ومساعَدَتهم ، وتحريم الاستعانة بهم ، فإنّ من استعان بهم كان معينا لهم ، قال تعالى : «وما كُنتُ متَّخِذَ المُضِلِّين عَضُدا»۲ .

الأصْلُ:

۰.وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ ؛ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَ يُبَجّحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الاْءِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ ، وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ . وَلاَ يَكُونَنَّ الُْمحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الاْءِحْسَانِ فِي الاْءِحْسَانِ ،

1.الآثام : المعاصي . البطانة : الخاصّة . الآصار والآزار بمعنى . أحنى : أعطف . حفلاتك : جلساتك في المجامع والمحافل . آثرهم : أفضلهم .

2.سورة الكهف ۵۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 152588
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي