293
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوَامِّهَا ؛ وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلاَّ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ ، فِيَما يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ ، وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ ، وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ ، مَا لاَ يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ .
ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ ، الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ . وَفِي اللّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ ، وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ . وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللّهُ تعالى مِنْ ذلِكَ ، إِلاَّ بِالاِهْتِمامِ وَالاسْتِعَانَةِ بِاللّهِ ، وَتَوْطِينَ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيَما خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ .

الشّرْحُ:

قالت الحكماء : الإنسانُ مَدَنيّ بالطّبع ، ومعناه أنه خُلِق خِلْقةً لابدَّ معها من أن يكون منضمّا إلى أشخاصٍ من بني جنسه ، ومتمدّنا في مكان بعينه ، وليس المراد بالمتمدّن ساكنَ المدينة ذات السّور والسّوق ، بل لابدّ أن يقيم في موضع مّا مع قوم من البَشَر ؛ وذلك لأنّ الإنسان مضطرّ إلى ما يأكله ويشرَبُه ليقيمَ صورتَه ، ومضطرّ إلى ما يلبسه ، ليدفع عنه أذى الحرّ والبَرْد ، وإلى مَسكَن يسكُنه ليردّ عنه عادَيةَ غيره من الحيوانات ، وليكون مَنزِلاً له ليتمكّن من التصرّف والحركة عليه ، ومعلومٌ أن الإنسان وحدَهُ لا يستقلّ بالأمور الّتي عددناها ، بل لابدّ من جماعة ، فيَحصلُ مساعدة بعض الناس لبعض ، لولا ذلك لما قامت الدنيا ، فهذا معنى قوله عليه السلام : «إنّهم طبقات لا يصلُح بعضُها إلاّ ببعض ، ولا غَناء ببعضها عن بعض» .
ثم فصّلهم وقسّمهم فقال : منهم الجند ، ومنهم الكتّاب ، ومنهم القُضاة ، ومنهم العمّال ، ومنهم أرباب الجزية من أهل الذمّة ، ومنهم أرباب الخراج من المسلمين ، ومنهم التجّار ، ومنهم أرباب الصّناعات . ومنهم ذوو الحاجات والمَسكَنة ، وهم أدوَن الطبقات .
ثم ذكر أعمال هذه الطبقات فقال : الجند للحماية ، والخراجُ يُصرَف إلى الجند والقُضاة والعمّال والكتّاب لما يحكمونه من المعاقد ، ويجمعونه من المنافع ، ولابدّ لهؤلاء جميعا من التجّار لأجل البَيْع والشّراء الّذي لا غَناءَ عنه ، ولابدّ لكلٍّ من أرباب الصناعات كالحدّاد والنجّار والبنّاء وأمثالهم . ثمّ تلي هؤلاء الطبقة السفلى ، وهم أهل الفقر والحاجة الّذين تجب معونتُهم والإحسانُ إليهم .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
292

الشّرْحُ:

خلاصةُ صدرِ هذا الفصل ، أنّ مَنْ أحسنَ إليك حَسُن ظنُّه فيك ، ومَنْ أساء إليك استَوْحش منك ، وذلك لأنَّك إذا أحسنتَ إلى إنسان وتكرّر منك ذلك الإحسان تبع ذلك اعتقادُك أنّه قد أحبّك ، ثم يتبع ذلك الاعتقادَ أمرٌ آخر ، وهو أنّك تحبّه ؛ لأنّ الإنسان مجبول على أن يحبّ مَن يحبُّه ، وإذا أحببتَه سكنتَ إليه وحَسُن ظنّك فيه ، وبالعكس من ذلك إذا أسأتَ إلى زيد ؛ لأنّك إذا أسأت إليه وتكرّرت الإساءة تَبِع ذلك اعتقادُك أنّه قد أبغضك ، ثمّ يتبع ذلك الاعتقادَ أمرٌ آخر ، وهو أن تُبغضه أنت ، وإذا أبغضتَه انقبضتَ منه واستوحشت ، وساءَ ظنّك به .
ثمّ نهاه عن نقض السّنن الصالحة الّتي قد عمل بها من قبله من صالحي الأُمّة ، فيكون الوزر عليه بما نَقَض ، والأجر لأولئك بما أسّسوا ، ثم أمره بمطارحة العلماء والحكماء في مَصالح عمله ، فإنّ المشورة بركة ، ومن استشار فقد أضاف عَقْلاً إلى عقله .

الأصْلُ:

۰.وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ ، لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض ، وَلاَ غِنَىً بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض ؛ فَمِنْهَا جُنُودُ اللّهِ ، وَمِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ ، وَمِنْهَا عُمَّالُ الاْءِنْصَافِ وَالرِّفْقِ ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاس ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ ، وَمِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ ، وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللّهُ لَهُ سَهْمَهُ ، وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ وفَرِيضَتِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً .
فَالْجُنُوُدُ ، بِإِذْنِ اللّهِ ، حُصُونُ الرَّعِيَّةِ ، وَزَيْنُ الْوُلاَةِ ، وعِزُّ الدِّينِ ، وَسُبُلُ الْأَمْنِ ؛ وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ ، ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاَّ بِمَا يُخْرِجُ اللّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيَما يُصْلِحُهُمْ ، وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ ، ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِهذَيْنِ الصِّنْفِيْنِ إِلاَّ بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْكُتَّابِ ، لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ ، وَيَجْمَعُونَ مِنْ الْمَنَافِعِ ، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 152527
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي