295
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ . وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً ، وَلاَ ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظِيماً ، وَارْدُدْ إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ ؛ فَقَدْ قَالَ اللّهُ سُبحانه لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ : «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ»۱ ، فَالرَّدُّ إِلَى اللّهِ : الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ ، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ : الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ .

الشّرْحُ:

هذا الفصل مختصٌّ بالوَصاة فيما يتعلّق بأُمراء الجيش ، أمَرَه أن يولّيَ أمر الجيش من جنودِه مَن كان أنصَحَهم للّه في ظنّهِ ، وأطهَرهم جَيْباً ، أي عفيفا أميناً ؛ ويُكنَى عن العفّة والأمانة بطهارة الجَيْب ؛ لأنّ الّذي يسرق يجعل المسروق في جَيْبه .
فإن قلت : وأيّ تعلّق لهذا بوُلاة الجيش ؟ إنّما ينبغي أن تكون هذه الوصيّة في وُلاة الخراج!
قلت : لابدّ منها في أُمراء الجيش لأجل الغنائم .
ثمّ وصف ذلك الأمير فقال : «ممّن يبطئ عن الغضب ، ويستريح إلى العُذر» ، أي يقبَل أدْنى عذر ، ويستريحُ إليه ، ويَسكُن عنده ، ويَرْؤفَ على الضّعفاء ، يَرفق بهم ويَرحمُهم . والرأفة : الرحمة . ويَنْبو عن الأقوياء : يَتجافى عنهم ويبعد ، أي لا يُمكِّنهم من الظّلم والتعدّي على الضعفاء . ولا يثيره العُنْف : لا يهيج غضبَه عُنْف وقَسْوة . ولا يَقْعد به الضّعف ، أي ليس عاجزا .
ثم أمره أن يَلصق بذوي الأحساب وأهلِ البيُوتات ، أي يكرمهم ويَجعل مُعوّله في ذلك عليهم ولا يتعدّاهم إلى غيرهم ، وكان يقال : عليكم بذوِي الأحساب ؛ فإنْ هم لم يتكرّموا استحيَوْا .
ثم ذكر بعدهم أهلَ الشجاعة والسّخاء ، ثم قال : «فإنها جِمَاع من الكرم ، وشُعَب من

1.سورة النساء ۵۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
294

وإنّما قسّمهم في هذا الفصل هذا التقسيم تمهيداً لما يذكره فيما بعد ، فإنّه قد شرع بعد هذا الفصل فذَكَر طبقةً طبقةً وصِنفا صِنفا ، وأوصاه في كلّ طبقة وفي كلّ صِنْف منهم بما يليق بحاله ، وكأنّهُ مَهّد هذا التمهيد ، كالفِهْرِست لما يأتي بعده من التفصيل .

الأصْلُ:

۰.فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِينَفْسِكَ للّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاِءِمَامِكَ ، وَأَطْهَرَهُمْ جَيْباً ، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً ، مِمَّنْ يُبْطِيءُ عَنِ الْغَضَبِ ؛ وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ ، وَيَنْبُو عَلَى الْأَقْوَيَاءِ ؛ وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ .
ثُمَّ الْصَقْ بَذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالْأَحْسَابِ ؛ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ؛ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ ؛ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ ؛ وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ . ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا ؛ وَلاَ يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ . وَلاَ تُحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ ؛ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ . وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالاً عَلَى جَسِيمِهَا ؛ فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ ؛ وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ .
وَلْيَكُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا ، يَسَعُهُمْ وَيَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ ، حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ ، فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ ، وَلاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاَّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلاَةِ اُمُورِهِم ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ . فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ ، وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ ، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ ، وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ ، إِنْ شَاءَ اللّهُ .
ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِيءٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى ، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِيءٍ إِلَى غَيْرِهِ ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 152275
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي