بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ . وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً ، وَلاَ ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظِيماً ، وَارْدُدْ إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ ؛ فَقَدْ قَالَ اللّهُ سُبحانه لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ : «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ»۱ ، فَالرَّدُّ إِلَى اللّهِ : الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ ، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ : الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ .
الشّرْحُ:
هذا الفصل مختصٌّ بالوَصاة فيما يتعلّق بأُمراء الجيش ، أمَرَه أن يولّيَ أمر الجيش من جنودِه مَن كان أنصَحَهم للّه في ظنّهِ ، وأطهَرهم جَيْباً ، أي عفيفا أميناً ؛ ويُكنَى عن العفّة والأمانة بطهارة الجَيْب ؛ لأنّ الّذي يسرق يجعل المسروق في جَيْبه .
فإن قلت : وأيّ تعلّق لهذا بوُلاة الجيش ؟ إنّما ينبغي أن تكون هذه الوصيّة في وُلاة الخراج!
قلت : لابدّ منها في أُمراء الجيش لأجل الغنائم .
ثمّ وصف ذلك الأمير فقال : «ممّن يبطئ عن الغضب ، ويستريح إلى العُذر» ، أي يقبَل أدْنى عذر ، ويستريحُ إليه ، ويَسكُن عنده ، ويَرْؤفَ على الضّعفاء ، يَرفق بهم ويَرحمُهم . والرأفة : الرحمة . ويَنْبو عن الأقوياء : يَتجافى عنهم ويبعد ، أي لا يُمكِّنهم من الظّلم والتعدّي على الضعفاء . ولا يثيره العُنْف : لا يهيج غضبَه عُنْف وقَسْوة . ولا يَقْعد به الضّعف ، أي ليس عاجزا .
ثم أمره أن يَلصق بذوي الأحساب وأهلِ البيُوتات ، أي يكرمهم ويَجعل مُعوّله في ذلك عليهم ولا يتعدّاهم إلى غيرهم ، وكان يقال : عليكم بذوِي الأحساب ؛ فإنْ هم لم يتكرّموا استحيَوْا .
ثم ذكر بعدهم أهلَ الشجاعة والسّخاء ، ثم قال : «فإنها جِمَاع من الكرم ، وشُعَب من