299
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

والخيانة» ، وقد تقدّم شرح مثل هذه اللفظة ، والمعنى أن ذلك يجمع ضروبا من الجوْر والخيانة . أمّا الجوْر فإنه يكون قد عدل عن المستحقّ إلى غير المستحقّ ففي ذلك جَوْر على المستحقّ ، وأمّا الخيانة فلأنّ الأمانة تقتضي تقليدَ الأعمالِ الأكفاء ؛ فمن لم يعتمد ذلك فقد خان مَنْ ولاّه . ثم أمره بتخيّر مَنْ قد جرّب ؛ ومَنْ هو من أهل البيوتات والأشراف لشدّة الحرص على الشيء والخوف من فواته . ثم أمره بإسباغ الأرزاق عليهم ؛ فإنّ الجائع لا أمانَةَ له ؛ ولأنّ الحجّة تكون لازمةً لهم إن خانوا ؛ لأنهم قد كُفُوا مؤنة أنفسِهم وأهلِيهم بما فرض لهم من الأرزاق . ثم أمره بالتطلّع عليهم وإذكاء العيون والأرصادِ على حركاتهم .
وحدوة : باعث ، يقال : حداني هذا الأمر حَدْوةً على كذا ؛ وأصله سَوْق الإبل ، ويقال للشّمْأل حَدْواء ؛ لأنّها تسوق السحاب . ثم أمره بمؤاخذة من ثبتتْ خيانته واستعادة المال منه .

الأصْلُ:

۰.وَتفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ ، فَإِنَّ فِي صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ ؛ لَأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ .
وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْض أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ ؛ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلاَدَ ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً ؛ فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً ، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ ، أَوْ بَالَّةٍ ، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ ؛ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ .
وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمؤُونَةَ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ ، مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ ، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ ، بِمَا دَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ ، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَرِفْقِكَ بِهِمْ ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنْ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ ؛ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
298

ثم أمره أنْ يتطلّع على أحكامه وأقضيته ، وأن يفرض له عطاء واسعا يملأ عينه ، ويتعفّف به عن المرافق والرَّشوات ، وأن يكون قريب المكان منه ، كثير الاختصاص به ليمنع قربه من سعاية الرجال به وتقبيحهم ذكره عنده . ثم قال : «إنّ هذا الدّين قد كان أسيرا» ، هذه إشارة إلى قضاة عثمان وحكامه ، وأنّهم لم يكونوا يقضون بالحقّ عنده ، بل بالهوى لطلب الدنيا .

الأصْلُ:

۰.ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً ، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً ، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ . وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ ، وَالْقَدَمِ فِي الاْءِسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً ، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً ، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً ، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً .
ثُمَّ أَسْبِـغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ ، فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ ، وَغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ ، أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ . ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ . وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ ، اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ شَاهِداً ، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ ، وَأَخْذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيانَةِ ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ .

الشّرْحُ:

لمّا فرغ عليه السلام من أمر القضاء ، شرع في أمر العمّال ، وهم عمّال السواد والصَّدَقات والوقوف والمصالح وغيرها ، فأمَرَه أن يستعملهم بعد اختبارهم وتجرِبَتهم ، وألاّ يولّيَهم محاباةً لهم ، ولمن يشفع فيهم ، ولا أثَرة ولا إنعاما عليهم .
ثم قال عليه السلام : «فإنهما ـ يعني استعمالهم للمحاباة والأثرة ـ جماع من شُعَب الجوْر

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 152205
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي