ثم أمره أنْ يتطلّع على أحكامه وأقضيته ، وأن يفرض له عطاء واسعا يملأ عينه ، ويتعفّف به عن المرافق والرَّشوات ، وأن يكون قريب المكان منه ، كثير الاختصاص به ليمنع قربه من سعاية الرجال به وتقبيحهم ذكره عنده . ثم قال : «إنّ هذا الدّين قد كان أسيرا» ، هذه إشارة إلى قضاة عثمان وحكامه ، وأنّهم لم يكونوا يقضون بالحقّ عنده ، بل بالهوى لطلب الدنيا .
الأصْلُ:
۰.ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً ، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً ، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ . وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ ، وَالْقَدَمِ فِي الاْءِسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً ، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً ، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً ، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً .
ثُمَّ أَسْبِـغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ ، فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ ، وَغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ ، أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ . ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ . وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ ، اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ شَاهِداً ، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ ، وَأَخْذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيانَةِ ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ .
الشّرْحُ:
لمّا فرغ عليه السلام من أمر القضاء ، شرع في أمر العمّال ، وهم عمّال السواد والصَّدَقات والوقوف والمصالح وغيرها ، فأمَرَه أن يستعملهم بعد اختبارهم وتجرِبَتهم ، وألاّ يولّيَهم محاباةً لهم ، ولمن يشفع فيهم ، ولا أثَرة ولا إنعاما عليهم .
ثم قال عليه السلام : «فإنهما ـ يعني استعمالهم للمحاباة والأثرة ـ جماع من شُعَب الجوْر