309
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

نهاه عليه السلام عن أن يَحمِل أقارَبه وحاشيتَه وخواصَّه على رقاب الناس ، وأن يمكنهم من الاستئثار عليهم والتّطاول والإذلال ، ونهاه من أن يقطع أحداً منهم قطيعةً ، أو يملّكه ضَيْعة تضرّ بمن يجاورها من السادة والدَّهاقين في شِرْب يتغلّبون على الماء منه ، أو ضِياعٍ يُضيفونها إلى ما ملّكهم إيّاه ، وإعفاء لهم من مؤنة ، أو حفر وغيره ، فيعفيهم الوُلاة منه مراقبةً لهم ، فيكون مؤنة ذلك الواجب عليهم قد أسقطت عنهم ، وحِمْل ثقلها على غيرهم ؛ لأنّ منفعة ذلك في الدّنيا تكون لهم دونَك ، والوِزْر في الآخرة عليك ، والعيب والذمّ في الدّنيا أيضا لاحقان بك .
ثم قال له : إن اتّهمْتك الرعيّة بحيْفٍ عليهم ، أو ظنّتْ بك جَوْرا ، فاذكر لهم عذرَك في ذلك ، وما عندَك ظاهرا غير مستور ، فإنه الأوْلى والأقرب إلى استقامتهم لك على الحقّ . واصحرتُ بكذا ، أي كشفته ؛ مأخوذٌ من الإصحار ، وهو الخروج إلى الصّحراء . وحامّة الرجل : أقاربُه وبطانته . واعتقدت عقدة ، أي ادّخرت ذخيرة . والمهنأ مصدر هنأه كذا . ومغبّة الشيء : عاقبتُه . واعدل عنكَ ظنونهم : نحّها . والإعذار : إقامة العُذْر .

الأصْلُ:

۰.وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ وَللّهِ فِيهِ رِضىً ، فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ ؛ وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ ، وَأَمْناً لِبِلاَدِكَ ، وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ . فَخُذْ بِالْحَزْمِ ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ .
وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً ، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً ، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ . وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا اَعْطَيْتَ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِض اللّهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتَِماعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ ، وَتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ ، مِنْ تَعْظيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ . وَقَدْ لَزِمَ ذلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيَما بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ . فَـلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ ، وَلاَ تَخِيسَنَّ بَعَهْدِكَ ، وَلاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِئُ عَلَى اللّهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ ، وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
308

أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنَِ : إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ ، فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ ، أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ ! أَوْ مُبْتَلَىً بِالْمَنْعِ ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاس عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ ! مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاس إِلَيْكَ مَا لاَ مَؤُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ ، مِنْ شَكَاةِ مَظْلَمَةٍ ، أَوْ طَلَبِ إِنْصافٍ فِي مُعَامَلَةٍ .

الشّرْحُ:

نهاه عن الاحتجاب ؛ فإنّه مَظِنّة انطواء الأُمور عنه ، وإذا رُفِع الحجاب دخل عليه كلُّ أحد فعَرَف الأخبار ، ولم يَخْفَ عنه شيء من أحوال عَمله . ثمّ قال له : لم تحتجب ، فإنّ أكثر الناس يحتجبون كيلا يُطلَب منهم الرِّفد ! وأنت فإن كنتَ جواداً سَمْحاً لم يكن لك إلى الحجاب داعٍ ، وإن كنتُ مُمسِكاً فسيعلم الناسُ ذلك منك ، فلا يسألك أحدٌ شيئا . ثم قال : عَلَى أنّ أكثرَ ما يسأل منك مالاً مؤونة عليه في ماله ؛ كردّ ظُلاَمة أو إنصاف من خَصْم .

الأصْلُ:

۰.ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً ، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ ، وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِيمُعَامَلَةٍ ، فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ ، وَلاَ تَقِطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعةً ، وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ ، تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاس فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ ، يَحْمِلُونَ مَؤُنَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذلِكَ لَهُمْ دُونَكَ ، وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، وَكُنْ فِي ذلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحْمُودَةٌ . وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ ، وَاعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ ، وَإِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120984
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي