أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنَِ : إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ ، فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ ، أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ ! أَوْ مُبْتَلَىً بِالْمَنْعِ ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاس عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ ! مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاس إِلَيْكَ مَا لاَ مَؤُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ ، مِنْ شَكَاةِ مَظْلَمَةٍ ، أَوْ طَلَبِ إِنْصافٍ فِي مُعَامَلَةٍ .
الشّرْحُ:
نهاه عن الاحتجاب ؛ فإنّه مَظِنّة انطواء الأُمور عنه ، وإذا رُفِع الحجاب دخل عليه كلُّ أحد فعَرَف الأخبار ، ولم يَخْفَ عنه شيء من أحوال عَمله . ثمّ قال له : لم تحتجب ، فإنّ أكثر الناس يحتجبون كيلا يُطلَب منهم الرِّفد ! وأنت فإن كنتَ جواداً سَمْحاً لم يكن لك إلى الحجاب داعٍ ، وإن كنتُ مُمسِكاً فسيعلم الناسُ ذلك منك ، فلا يسألك أحدٌ شيئا . ثم قال : عَلَى أنّ أكثرَ ما يسأل منك مالاً مؤونة عليه في ماله ؛ كردّ ظُلاَمة أو إنصاف من خَصْم .
الأصْلُ:
۰.ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً ، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ ، وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِيمُعَامَلَةٍ ، فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ ، وَلاَ تَقِطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعةً ، وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ ، تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاس فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ ، يَحْمِلُونَ مَؤُنَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذلِكَ لَهُمْ دُونَكَ ، وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، وَكُنْ فِي ذلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحْمُودَةٌ . وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ ، وَاعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ ، وَإِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ .