311
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الظلمة ، والتدليس في البَيْع : كتمانُ عيبِ السِّلعة عن المشتري .
ثم نهاه عن أن يَعقِد عَقْداً يمكن فيه التأويلات والعلل وطلب المخارج . ونهاه إذا عقد العقد بينه وبين العدوّ أن ينقضه معوِّلاً على تأويل خفيّ أو فحوى قول ، أو يقول : إنما عنيت كذا ؛ ولم أعن ظاهر اللفظة ؛ فإن العقود إنما تُعقد على ما هو ظاهر في الاستعمال متداول في الاصطلاح والعُرْف لا على ما في الباطن . وروي «انفساحه» بالحاء المهملة ، أي سعته .

الأصْلُ:

۰.إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ ، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ ، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ ، وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا . وَاللّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ فَـلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكَ دَمٍ حَرَامٍ ، فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ ، بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ .
وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللّهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ ، لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ ، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَأٍ ، وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ ، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً ، فَـلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ .

الشّرْحُ:

ووصيَّة أمير المؤمنين عليه السلام مبنيَّةٌ على الشريعة الإسلاميّة ، والنّهي عن القتل والعُدْوان الَّذي لا يُسيغه الدّين ، وقد ورد في الخبر المرفوع : «إنّ أوّل ما يقضي اللّهُ به يوم القيامة بين العباد أمرُ الدّماء» . قال : إنّه ليس شيء أدعى إلى حلول النِّقم ، وزوال النِّعَم ، وانتقال الدُّول ، من سَفْك الدم الحرام ، وإنك إن ظننتَ أنّك تُقوِّي سلطانك بذلك ، فليس الأمرُ كما ظننتَ ، بل تُضعفه ، بل تُعدِمه بالكليّة .
ثمَّ عرّفه أنّ قتل العَمْد يوجِب القَوَد ؛ وقال له : «قَوَد البَدَن» ، أي يجب عليك هَدْم صورتك كما هدمتَ صورة المقتول ، والمراد إرهابُه بهذه اللّفظة فإنّها أبلَغ من أن يقول له : «فإنّ فيه القَوَد» . ثم قال له : إن قتلتَ خطأ أو شِبه عَمْدٍ كالضّرب بالسّوط فعليك الدِّية . وقد اختلف الفقهاءُ في هذه المسألة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
310

الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ ، وَحَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ ، وَيَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ ، فَـلاَ إِدْغَالَ وَلاَ مُدَالَسَةَ وَلاَ خِدَاعَ فِيهِ .
وَلاَ تَعْقِدْه عَقْداً تُجوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ ، وَلاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَالتَّوْثِقَةِ ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ ، وَأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ ، لاَ تَسْتَقْيلُ فَيهَا دُنْيَاكَ وَلاَ آخِرَتَكَ .

الشّرْحُ:

أمَرَه أن يقبل السِّلم والصلح إذا دُعِي إليه ، لما فيه من دَعَة الجنود ، والراحةِ من الهمّ ، والأمن للبلاد ، ولكن ينبغي أن يحذر بعد الصّلح من غائلة العدوّ وكيدِه ، فإنه ربما قارب بالصلح ليتغفّل ، أي يطلب غفلتك ، فخذ بالحَزم ، واتّهمْ حُسْنَ ظنك ، لا تثقْ ولا تسكن إلى حُسنِ ظنك بالعدوّ ، وكن كالطائر الحَذِر .
ثمّ أمَرَه بالوفاء بالعهود ؛ قال : واجعل نفسك جُنّةً دون ما أعطيت ، أي ولو ذهبتْ نفسُك فلا تَغدِر . ثم قال له عليه السلام : وقد لزم المشركون مع شِرْكهم الوفاءَ بالعهود ، وصار ذلك لهم شريعة وبينهم سنّة ، فالإسلام أولى باللزوم والوفاء . واستَوْبلوا : وجدوه وَبِيلاً ، أي ثقيلاً ، استوبلتُ البلدَ ، أي استَوْخَمته واستثقلْته ، ولم يوافق مِزاجَك . ولا تخيسنَّ بعهدك ، أي لا تَغدِرنّ ، خاسَ فلانٌ بذمته ، أي غَدَر ونَكَثَ . «ولا تختلنّ عدوّك» ، أي لا تمكُرنّ به ، خَتْلته ، أي خدعتُه .
وقوله : «أفضاه بين العباد» ، جعله مشتركا بينهم ، لا يختصّ به فريق دون فريق .
قال : «ويستفيضون إلى جِواره» ، أي ينتشرون في طلب حاجاتهم ومآربهم ، ساكنين إلى جواره ، فإلى هاهنا متعلقة بمحذوف مقدّر ، كقوله تعالى : «في تِسْعِ آياتٍ إلى فِرْعَوْن»۱ ، أي مرسلاً . قال «فلا إدْغال» ، أي لا إفساد ، والدَّغَل : الفساد . ولا مُدالسة ، أي لا خديعة ، يقال : فلان لا يوالس ولا يُدالس ، أي لا يخادع ولا يخون ، وأصل الدّلس

1.سورة النمل ۱۲.

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120976
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي