317
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

ثم قال : وقد كان امتناعكما عن البيعة في مبدأ الأمر أجمل من دخولكما فيها ثم نكثها . قال : وقد زعمتما أنّ الشبهة التي دخلت عليكما في أمري أني قتلتُ عثمان ، وقد جعلتُ الحكمَ بيني وبينكما من تخلّف عنّي وعنكما من أهل المدينة ، أي الجماعة التي لم تَنصُر عليّا ولا طلحة ، كمحمد بن مسلمة ، وأُسامة بن زيد ، وعبد اللّه بن عمر ، وغيرهم ، يعني أنهم غيرُ متَّهمين عليه ، ولا على طلحة والزبير ، فإذا حكموا لزم كلّ امرئ منّا بقدر ما تقتضيه الشهادات . ولا شبْهة أنهم لو حكموا وشهدوا بصورة الحال لحكموا ببراءة عليّ عليه السلام من دم عثمان ، وبأن طلحة كان هو الجملة والتفصيل في أمره وحصره وقتله ، وكان الزبيرمساعدا له على ذلك ، وإن لم يكن مكاشفا مكاشفة طلحة .
ثم نهاهما عن الإصرار على الخطيئة ، وقال لهما : إنكما إنما تخافان العار في رجوعكما وانصرافكما عن الحرب ، فإن لم ترجعا اجتمع عليكما العار والنار ؛ أما العار فلأنكما تهزمان وتفرّان عند اللّقاء فتعيَّران بذلك ، وأيضا سيُكشف للنّاس أنكما كنتما على باطل فتعيّران بذلك ، وأمّا النار فإليها مصيرُ العُصاة إذا ماتوا على غير توبة ، واحتمال العار وحده أهوَنُ من احتماله واحتمال النارِ معه .

55

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاويةأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا ، وَابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا ، لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ، وَلَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا ، وَلاَ بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا ، وَإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَى بِهَا ، وَقَدِ ابْتَـلاَنِي اللّهُ بِكَ وَابْتَلاَكَ بِي ، فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الاْخَرِ ، فَغَدَوتَ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا بَتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ ، وَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَلاَ لِسَانِي ، وَعَصَبْتَهُ أَنْتَ وَأَهْلُ الشَّامِ بِي ، وَأَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ ، وَقَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ . فَاتَّقِ اللّهَ فِي


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
316

حَتَّى بَايَعُونِي . وَإِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وَبَايَعَنِي ، وَإِنَّ العَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ ، وَلاَ لِحِرْصٍ حَاضِرٍ ، فَإِنْ كُنْتُما بَايَعْتُمانِي طَائِعَيْنِ ، فارْجِعَا وَتُوبَا إِلَى اللّهِ مِنْ قَرِيبٍ ، وَإِنْ كُنْتُما بَايَعْتُمانِي كَارِهَيْنِ ، فَقَدْ جَعَلْتُما لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ وَإِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ . وَلَعَمْرِي مَا كُنْتُما بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ وَالْكِتمانِ ، وَإِنَّ دَفْعَكُمَا هذَا الْأَمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلاَ فِيهِ ، كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ .
وَقَدْ زَعَمْتُما أَنِّي قَتَلْتُ عُثَمانَ ، فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَعَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِيءٍ بَقَدْرِ مَا احْتَمَلَ . فَارْجِعَا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا ؛ فَإِنَّ الآنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا الْعَارُ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجتَمِعَ الْعَارُ وَالنَّارُ . وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

قوله عليه السلام : «لم أُرد الناس» ، أي لم أُرد الولايةَ عليهم حتّى أرادوا هم منّي ذلك . «ولم أبايعْهم حتى بايعوني» ، أي لم أمدُدْ يدي إليهم مدّ الطَّلَب والحرْص على الأمر ، ولم أمدُدها إلاّ بعد أن خاطَبُوني بالإمْرَةِ والخلافة ، وقالوا بألسنتهم : قد بايعناك ، فحينئذٍ مددتُ يدي إليهم . قال : ولم يبايعني العامّة والمسلمون لسلطانٍ غَصَبهم وقهرَهم على ذلك ، ولا لحرص حاضر ، أي مال موجود فرّقته عليهم .
ثم قسم عليهما الكلام ، فقال : إن كنتما بايَعْتُماني طوعا عن رضىً فقد وجب عليكما الرّجوع ؛ لأنّه لا وجه لانتقاض تلك البيعة ، وإن كنتما بايعتُماني مكْرَهَيْن عليها فالإكراه له صورةٌ ، وهي أن يجرّد السيف ويمدّ العنق ، ولم يكن قد وقع ذلك ، ولا يمكنكما أن تدّعياه ، وإن كنتما بايعتماني لا عن رضىً ولا مكرهين بل كارهين ، وبين المُكْرَه والكاره فرقٌ بيّن ، فالأُمور الشرعيّة إنما تُبنئ على الظاهر ، وقد جعلتُما لي على أنفسكما السّبيل بإظهاركما الطاعة ، والدخول فيما دخل فيه الناس ، ولا اعتبار بما أسررْتما من كراهية ذلك . على أنه لو كان عندي ما يكرهه المسلمون لكان المهاجرون في كراهيّة ذلك سواء ؛ فما الذي جعلكما أحقَّ المهاجرين كلّهم بالكتمان والتقيّة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123294
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي