319
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

والأليّة : اليمين . وباحة الدار : وَسَطها ، وكذلك ساحَتُها . ورُوي : بناحيتك .
قوله : «بعاجل قارعة ، وجوامع الأقدار» ، من باب إضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد ، كقوله تعالى «وإنه لحق اليقين»۱ .

56

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلام وصّى به شريح بن هانى
لما جعله على مقدمته إلى الشام
اتَّقِ اللّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ ، وَخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ ، وَلاَ تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ . وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ ، سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ ، فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً ، وَلِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً .

الشّرْحُ:

هو شُرَيح بن هانئ بن يزيدَ المَذْحِجيّ . من جِلّة أصحاب عليّ عليه السلام ، شهد معه المشاهد كلَّها ، وعاش حتّى قُتِل بسِجسْتان في زمن الحجّاج ، وشُرَيْح جاهليّ إسلاميّ ، يكنَى أبا المِقْدام ، ذَكَر ذلك كلَّه أبو عمرَ بنُ عبدِ البرّ في كتاب الاستيعاب ۲ .
قولُه عليه السلام : وخَفْ على نفسك الغَرورَ ، يعني الشيطان ، فأما الغُرور بالضّم فمصدر . والرادع : الكافّ المانع . والنَّزَوات : الوَثَبات . والحَفِيظة : الغضب . والواقِم : فاعلٌ ، من وقَمْتُه أي رددتُه أقبحَ الردّ وقهرتُه . يقول عليه السلام : إنْ لم تَردَع نفسَك عن كثير من شَهَواتِك أفضتْ بك

1.سورة الحاقة ۵۱ .

2.الاستيعاب ۶۰۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
318

نَفْسِكَ ، وَنَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ ، وَاصْرِفْ إِلَى الآخِرَةِ وَجْهَكَ ، فَهِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقُكَ ، وَاحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللّهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ الْأَصْلَ ، وَتَقْطَعُ الدَّابِرَ ، فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللّهِ أَلِيَّةً غَيْرَ فَاجِرَةٍ ، لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَإِيَّاكَ جَوَامِعُ الْأَقْدَارِ لاَ أَزَالُ بِبَاحَتِكَ ؟ «حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ» .

الشّرْحُ:

قال عليه السلام : «إن اللّه قد جعل الدنيا لما بعدها» ، أي جعلها طريقا إلى الآخرة . ومن الكلمات الحكميّة : الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها . «وابتلى فيها أهلها» : أي اختبرهم ليعلم أيهم أحسنُ عملاً ، وهذا من ألفاظ القرآن العزيز ۱ ، والمراد ليعلم خلقه ، أو ليعلم ملائكته ورُسُله ، فحذف المضاف ، وقد سبق ذكر شيء يناسب ذلك فيما تقدّم . قال : «ولسنا للدنيا خُلِقْنا» ، أي لم نخلق للدنيا فقط . «ولا بالسعي فيها أُمرنا» ، أي لم نؤمر بالسعي فيها لها ، بل أُمِرْنا بالسعي فيها لغيرها . ثمّ ذكر أنّ كلّ واحد منه ومن معاوية مُبتلىً بصاحبه ، وذلك كابتلاء آدم بإبليسَ وإبليسَ بآدم .
قال : «فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن» ، أي تعدّيت وظلمت ، و « على» هاهنا متعلّقة بمحذوف دلّ عليه الكلام ، تقديرُه مثابرا على طلب الدنيا ، أو مصرّا على طلب الدنيا ، وتأويل القرآن ما كان معاوية يموّه به على أهل الشام فيقول لهم : أنا وليّ عثمان ، وقد قال اللّه تعالى : «ومن قُتِلَ مَظْلوما فَقَدْ جَعَلْنا لوليّه سلطاناً»۲ . ثم يَعِدُهم الظفر والدولة على أهل العراق بقوله تعالى : «فلا يُسرِفْ في القتْلِ إنه كانَ مَنْصورا»۳ .
قوله : «وعصبته أنت وأهل الشام» ، أي ألزمتنيه كما تلزم العصابة الرأس . «وألّب عالمكم جاهلَكم» ، أَيّ حرّض . والقيادة : حبل تقاد به الدابّة . «واحذر أن يصيبك اللّهُ منه بعاجل قارعة» ، الضمير في «منه» راجعٌ إلى اللّه تعالى ، و «مِن» لابْتداء الغاية . «تمسّ الأصل» ، أي تقطعه ، ومنه ماء ممسوس أي يقطع الغُلّة . ويقطَع الدابر أي العقب والنسل .

1.في قوله تعالى في سورة الكهف ۷ : «إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» .

2.سورة الإسراء ۳۳ .

3.المصدر السابق .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120916
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي