321
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

58

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام كتبه إلى أهل الأمصار
يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين :
وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَ نَّا الْتَقَيْنَا بِالْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَاوَاحِدٌ ، وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ ، وَدَعْوَتَنَا فِي الاْءِسْلاَمِ وَاحِدَةٌ ، وَلاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الاْءِيمَانِ بِاللّهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ ، وَلاَ يَسْتَزِيدُونَنَا ؛ وَالْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلاَّ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثمانِ ، وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءَ ، فَقُلْنَا : تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لاَيُدْرَكُ الْيَوْمَ بِاِءطْفَاءِ النَّائِرَةِ ، وَتَسْكِينِ الْعَامَّةِ ، حَتَّى يَشْتَدَّ الْأَمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ ، فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَهُ ، فَقَالُوا : بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ ، فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ وَرَكَدَتْ ، وَوَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَحَمِشَتْ .
فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَإِيَّاهُمْ ، وَوَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَفِيهِمْ ، أَجَابُوا عِنْدَ ذلِكَ إِلَى الَّذي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ ، فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا ، وَسَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا ، حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ ؛ وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ ، فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللّهُ مِنَ الْهَلَكَةِ ، وَمَنْ لَجَّ وَتَمَادَى فَهُوَ الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللّهُ عَلَى قَلْبِهِ ، وَصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ .

الشّرْحُ:

رُوِي : «التقَيْنا والقوم» بالواو ومن لم يروها بالواو فقد استراح من التكلّف .
قوله : «والظاهر أن ربّنا واحد» ، كلامُ من لم يَحكم لأهل صِفّين من جانب معاوية حُكْما قاطعا بالإسلام ، بل قال : ظاهرُهم الإسلام ، ولا خلْف بيننا وبينهم فيه ، بل الخُلْف في دَمِ عثمان . قال عليه السلام : قلنا لهم : تعالوْا فلنُطفئ هذه النائرة الآن بوضع الحرب إلى أن تتمهّد قاعدتي في الخلافة وتزول هذه الشوائبُ الّتي تُكدِّر عليّ الأمر ، ويكونَ للنّاس جماعةٌ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
320

إلى كثيرٍ من الضّرر ، ومثلُ هذا قولُ الشاعر :

فإنَّكَ إنْ أعطيتَ بطنَك سُؤلَهاوفَرْجَك نالاَ مُنتَهى الذّمِّ أجمَعَا۱

57

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرةأَمَّا بَعْدُ ، فَإنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هذَا : إِمَّا ظَالِماً ، وَإِمَّا مَظْلُوماً ؛ وَإِمِّا بَاغِياً ، وَإِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ . وَإِنِّي أُذَكِّرُ اللّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ ، فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي ، وَإِنْ كُنْتُ مُسِْيئاً استَعْتَبَنِي .

الشّرْحُ:

ما أحسنَ هذا التقسيم وما أبلَغه في عطف القلوب عليه ، واستمالة النفوس إليه!
قال : لا يَخْلو حالي في خُروجي من أحد أمرين : إمّا أن أكون ظالما أو مظلوما ، وبدأ بالظّالم هَضْما لنفسه ، ولئلاّ يقول عدوه : بدأ بدعوَى كونه مظلوما ، فأعطى عدوَّه من نفسِه ما أراد . قال : فليَنفِر المسلمون إليّ فإنْ وجدوني مظلوما أعانوني ، وإن وجدوني ظالما نهَوْني عن ظُلمي لأعتِبَ وأنيبَ إلى الحقّ . وهذا كلام حَسن ، ومرادُه عليه السلام يَحصل على كلا الوجهين ، لأنّه إنّما أراد أن يستنفرَهم ، وهذان الوجهان يقتضيان نفيرَهم إليه على كلّ حال ، والحيّ : المنزل ، ولمّا هاهنا بمعنى إلاّ ، كقوله تعالى : «إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافظ»۲ في قراءة من قرأها بالتّشديد .

1.البيت لحاتم ، وهو من شواهد المغني ۳۳۱ .

2.سورة الطارق ۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120870
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي