33
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

منكم ملائكة.
قوله : «ومن أخذ يميناً وشمالاً» ، أي ضلّ عن الجادّة . و «إلى» في قوله : «ذمّوا إليه الطريق» مثل «إلى» الأُولى . ويهتفون بالزواجر : يصوّتون بها ، هتفت الحمامة تهتِف هتْفاً ، وهتف زيد بالغنم هِتافا بالكسر ، وقوس هتافة وهتفى ، أي ذات صوت . والقسْط : العدل . ويأتمرون به : يمتثلون الأمر .
وقوله : «فكأنّما قطعوا الدّنيا إلى الآخرة» ، إلى قوله : «ويسمعون ما لا يسمعون» ؛ هو شرح قوله عن نفسه عليه السلام : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً» . والأوْزار : الذنوب . والنشيج : صوت البكاء . والمقعد : موضع القعود . ويد قارعة : تطرق باب الرحمة ، وهذا الكلام مجاز . والمنادح : المواضع الواسعة . و «على» في قوله : «ولا يخيب عليه الراغبون» متعلّقة بمحذوف مثل «إلى» المتقدّم ذكرها ، والتقدير «نادمين عليه» . والحسيب : المحاسب .
واعلم أنَّ هذا الكلام في الظاهر صفة حال القصّاص والمتصدّين لإنكار المنكَرات ، ألا تراه يقول : «يذكّرون بأيام اللّه » ! أي بالأيام التي كانت فيها النقمة بالعصاة ، ويخوّفون مقامه من قوله تعالى : «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ»۱ ثم قال : فمن سلك القَصْد حمِدُوه ، ومَنْ عدل عن الطريق ذمُّوا طريقه ، وخوّفوه الهلاك . ثم قال : يهتفون بالزواجر عن المحارم في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط وينهون عن المنكر .
وهذا كلّه إيضاح لما قلنا أولاً ؛ أنّ ظاهرَ الكلام شرحُ حالِ القصّاص وأرباب المواعظ
في المجامع والطرقات ، والمتصدّين لإنكار القبائح ؛ وباطن الكلام شرح حال العارفين ، الذين هم صَفْوة اللّه تعالى من خلقه ، وهو عليه السلام دائما يكني عنهم ، ويرمز إليهم ، على أنه في هذا الموضع قد صرّح بهم في قوله : «حتّى كأنّهم يروْن ما لا يَرى الناس ، ويسمعون ما لا يسمعون» .
وقد ذكر من مقامات العارفين في هذا الفصل : الذّكْر ، ومحاسبة النفس ، والبكاءَ والنحيب ، والنّدم والتّوبة ، والدعاء والفاقة ، والذلّة ، والحزن ، وهو الأسى الذي ذكر أنه جرح قلوبهم بطوله .

1.سورة الرحمن ۴۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
32

فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْأَنْفُس لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ .

الشّرْحُ:

من قرأ : «يسبَّح له فيها» بفتح الباء ارتفع «رجال» عنده بوجهين :
أحدهما : أنْ يضمَر له فعل يكون هو فاعله ، تقديره «يسبحه رجال» ، ودلّ على « يسبّحه» يسبّح .
والثاني : أن يكونَ خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : «المسبّحون رجال» .
ومن قرأ : « يسبِّح له فيها» بكسر الباء ، فـ «رجال» فاعل ، والذكْر يكون تارةً باللسان ، وتارةً بالقلب ، فالّذي باللسان نحو التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والدعاء ، والذي بالقلْب ؛ فهو التعظيم والتبجيل والاعتراف والطاعة .
وجلوت السيف والقلْب جِلاء ، بالكسر ، وجلوت اليهودَ عن المدينةِ جَلاء بالفتح ۱ . والوَقْرة : الثقل في الأذن . والعَشْوة ، بالفتح : فَعْلة ، من العشا في العين . وآلاؤه : نعمه .
فإن قلت : أيّ معنى تحت قوله : «عزت آلاؤه» وعزّت بمعنى : «قَلّت»؟ وهل يجوز مثل ذلك في تعظيم اللّه ؟
قلت : عَزّت هاهنا ليس بمعنى «قلّت» ، ولكن بمعنى : «كرمت وعظمت» ، تقول منه : عَزَزتُ على فلان بالفتح ، أي كرُمْت عليه ، وعظُمت عنده ، وفلان عزيز علينا ، أي كريم معظّم .
والبُرهة من الدهر : المدّة الطويلة ، ويجوز فتح الباء . وأزمان الفترات : ما يكون منها بين
النَّوْبتين . وناجاهم في فكرهم : ألهمهم ، بخلاف مناجاة الرّسل ببعث الملائكة إليهم ، وكذلك « وكلّمهم في ذات عقولهم ، فاستصبحوا بنور يقظة» : صار ذلك النور مصباحا لهم يستضيئون به .
قوله : «مَنْ أخذ القصد حَمِدوا إليهم طريقه»، إلى هاهنا هي التي في قولهم : أحمَد اللّه إليك ، أي مُنهيا ذلك إليك ، أو مفضيا به إليك ونحو ذلك ، وطريقة العرب في الحذف في مثل هذا معلومة، قال سبحانه: «وَلَوْ نَشَاءُ لجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلاَئِكَةً»۲ ، أي لجعلنا بدلاً

1.والجِلاَء : الصقل وكشف الصدأ . والجَلاَء : الإخراج عن الوطن ، أو من الدار ونحوه .

2.سورة الزخرف ۶۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120992
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي