331
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

المراد بقوله : «قولٌ هوَ لك وعليك» ، أنّ أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة : إنّ عليّا إمامُ هُدىً ، وبَيْعته صحيحة ، إلاّ أنّه لا يجوز القِتال معه لأهل القِبْلة ، وهذا القولُ بعضُه حقّ ، وبعضه باطل . وقولُه : «فارفَع ذَيْلك» ، أي شَمِّر للنّهوض معي واللّحاقِ بي ، لِتشهدَ حربَ أهلِ البصرة ، وكذلك قولُة : «واشددْ مِئزرَك» ، وكلتاهما كنايتان عن الجِدّ والتشمير في الأمر . «واخرج من جُحْرك» ، أمرٌ له بالخروج من منزلهِ للّحاق به ، وهي كِنايةٌ فيها غَضٌّ من أبي موسى واستهانةٌ به لأنّه لو أراد إعظامَه لقال : واخرج من خِيسِك 1 ، أو من غِيلِك 2 كما يقال للأسد ، ولكنّه جعله ثعلبا أو ضبّا . «واندُب مَنْ معك» ، أي واندُب رعيّتك من أهل الكوفة إلى الخروج معي واللَّحاق بي .
ثم قال : «وإن تحقّقت فانفذ» ، أي أمرُك مبنيٌّ على الشكّ ، وكلامك في طاعتي كالمتناقض ، فإن حقّقتَ لزومَ طاعتي لك فانفذ ، أي سِرْ حتى تَقدم عليّ ، وإن أقمتَ على الشكّ فاعتزِل العَمَل ، فقد عزلتُكَ . قوله : «وايمُ اللّه لتُؤتَيَنّ» ، معناه إن أقمتَ على الشكّ والاسترابة وتثبيطِ أهل الكوفة عن الخروج إليّ وقولِك لهم : لا يحلّ لكم سَلّ السيف لا مع عليّ ولا مع طلحة ، والزَموا بيوتَكم ، واكسِروا سيوفَكم ، لتأتينّكم وأنتم في منازلكم بالكوفة أهل البصرة مع طلحة ونأتينّكم نحن بأهلِ المدينة والحجاز ، فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم ومن خلفِكم ، فتكونَ ذلك الداهيةُ الكبرى الّتي لا شَواةَ لها .
قولُه : «ولا تترك حتّى يخلط زُبْدُك بخاثِرك» تقول للرجل إذا ضربتَه حتى أثخنتَه : لقد ضربتُه حتّى خلطتُ زُبْدَه بخاثِرِه ، وكذلك حتّى خلطتُ ذائبه بجامِدِه ، والخاثِر : اللّبن الغليظ ، والزُّبد خلاصة اللبن وصَفْوَته ، فإذا أثخنتَ الإنسانَ ضَرْبا كنتَ كأنّك خلطتَ مارَقّ ولَطُف من أخلاطه بما كَثُف وغَلُظ منها ، وهذا مَثَل ، ومعناه لتَفسُدَنّ حالُك ولتُخَلِّطَنّ ، وليضطربنّ ما هو الآن منتظمٌ من أمرك . «وحتى تَعجَل عن قِعْدَتك» ، القِعدة بالكسر هيئة القعود كالجلسة والرِّكْبة ، أي وليعجلنّك الأمرُ عن هيئة قعودك ، يصف شدّة الأمر وصعوبته . «وتحذر مَنْ أمامك كحَذَرك من خَلفَك» ، يعني يأتيك مِنْ خلفِك إن أقمتَ على مَنْع الناس عن الحرب معنا ومعهم أهل البصرة وأهل المدينة ، فتكون كما قال اللّه تعالى : «إذْ جَاءُوكُمْ

1.الخيس : معرّس الأسد .

2.الغيل : الشجر الكثير الملتف .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
330

وقال الراونديّ : عَنَى بقوله : «رُضِخَت لهم الرضائخ» عَمرَو بنَ العاص ، وليس بصحيح ؛ لأنّ عمراً لم يُسلِم بعد الفَتْح ، وأصحاب الرضائخ كلّهم أسلَموا بعد الفتح ، صُونِعوا على الإسلام بغنائم حُنَين . ولَعَمري إسلام عَمْرو كان مدخولاً أيضا ؛ إلاّ أنّه لم يكن عن رَضِيخة ، وإنّما كان لمعنىً آخر . فأما الذي شَرِب الحرام ، وجُلِد في حدّ الإسلام ، الوليدُ بنُ عُقْبة بن أبي مُعَيط ، وكان أشدّ الناس عليه وأبلَغَهم تحريضا لمعاوية وأهل الشام على حَرْبه .

63

الأصْلُ:

۰.من كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ وهو عامله على الكوفة
وقد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لمّا ندبهم لحرب أصحاب الجمل:
مِنْ عَبْدِ اللّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْس : أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَعَلَيْكَ ، فإِذَا قَدِمَ رَسُولِي عَلَيْكَ فارْفَعْ ذَيْلَكَ ، وَاشْدُدْ مِئْزَرَكَ ، وَاخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ ، وَانْدُبْ مَنْ مَعَكَ ، فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ ، وَإِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ ! وَايْمُ اللّهِ لَتُؤتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ ، وَلاَ تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ ، وَذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ ، وَحَتَّى تُعْجَلَ عَنْ قِعْدَتِكَ ، وَتَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ ، كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ ، وَمَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى الَّتِي تَرْجُو ، وَلكِنَّهَا الدَّاهِيةُ الْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا ، وَيُذَلَّلُّ صَعْبُهَا ، وَيُسَهَّلُ جَبَلُهَا . فَاعْقِلْ عَقْلَكَ ، وَامْلِكْ أَمْرَكَ ، وَخُذْ نَصِيبَكَ وَحَظَّكَ ، فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ ، وَلاَ فِي نَجَاةٍ ، فَبَالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَأَنْتَ نَائِمٌ ، حَتَّى لاَ يُقَالَ : أَيْنَ فُـلاَنٌ ! وَاللّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ ، مَا يُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ . وَالسَّلاَمُ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123424
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي