343
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

المشهورة ، وهو أن يكون «سفيرا» اسم كان ، و «لك» خبرُها . ثم قال : فإنّها إن ذيدت ، أي طُردَتْ ودُفعت .
والمفاقر : الحاجات ؛ يقال : سدّ اللّه مَفاقره ، أي أغنَى اللّه فَقْره ، ثمّ أمَرَه أن يأمر أهلَ مكّة ألاّ يأخذوا من أحَد من الحجيج أُجرة مَسكَن ، واحتجّ على ذلك بالآية ، وقرأ «سَواء» بالنصب على أن يكون أحد مفعولي «جعلْنا» أي جعلناه مُستوِيا فيه العاكف والباد ، ومن قرأ بالرّفع جعل الجُمْلة هي المفعول الثاني .

68

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافتهأَمَّا بَعْدُ ، فإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيِّةِ ، لَيِّنٌ مَسُّهَا ، قَاتِلٌ سُمُّهَا ، فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا ، لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا ، وَضَعْ عْنْكَ هُمُومَهَا ، لِمَا أَيْقَنْتَ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا ، وَتَصَرُّفِ حَالاَتِهَا ، وَكُنْ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا ، أَحْذَرَ مَا تَكُونَ مِنْهَا ؛ فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ فِيهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَتْهُ عَنْهُ إِلَى مَحْذُورٍ ، أَوْ إِلَى إِينَاس أَزَالَتْهُ عَنْهُ إِلَى إِيحَاش ! وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

سَلْمان : رجلٌ من فارِسَ من رَامَهُرْمُز ؛ وقيل : بل من أصبهانَ ، من قريةٍ يقال لها جَيّ ، وهو معدودٌ من مَوالِي رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ؛ وكُنيتُه أبو عبد اللّه ، وكان إذا قيل : ابنُ مَن أنتَ ؟ يقول : أنا سَلْمان ، ابنُ الإسلام ، أنا مِن بني آدم . وكان خيّرا ، فاضِلاً ، حبْرا ، عالما ، زاهدا ، متقشّفا .
وقد رُوِي من حديثِ ابن بُرَيْدة ، عن أبيه أنّ رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : «أمَرَني ربي بحُبّ أربعة ، وأخبَرَني أنّه يحبّهم : عليّ ، وأبو ذَرّ ، والمِقْداد ، وسَلْمان» .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
342

وَلاَ حَاجِبٌ إِلاَّ وَجْهُكَ .
وَلاَ تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِكَ بِهَا ، فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ عَنْ أَبْوَابِكَ في أَوَّلِ وِرْدِهَا ، لَمْ تُحْمَدْ فِيَما بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا .
وَانْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللّهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ وَالمجَاعَةِ ، مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ المفاقر وَالْخَـلاَّتِ ، وَمَا فَضَلَ عَنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا .
وَمُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلاَّ يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِنٍ أَجْراً ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : «سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ»۱ فَالْعَاكِفُ : الْمُقِيمُ بِهِ ، وَالْبَادِي : الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ ، وَفَّقَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ لَِمحَابِّهِ ؛ وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم ذكر قُثمَ ونسبه ۲ . أمَره أن يقيمَ للنّاس حجّهم ، وأن يذكّرهم بأيّام اللّه ، وهي أيّام الإنعام ، وأيّام الانتقام ، لتَحصل الرغبة والرّهبة . واجلس لهم العَصْرين : الغَداةَ والعَشيّ .
ثم قَسّم له ثمرةَ جلوسِه لهم ثلاثة أقسام : إمّا أن يفتيَ مُسْتفتيا من العامّة في بعض الأحكام ، وإمّا أن يعلّم متعلّما يطلُب الفِقْه ، وإمّا أن يُذاكر عالما ويُباحِثه ويُفاوِضه ، ولم يَذكُر السّياسة والأُمورَ السّلطانيّة ؛ لأنّ غَرضه متعلّق بالحَجِيج ، وهم أضيافه ، يقيمون ليالي يسيرةً ويقفِلون ؛ وإنّما يذكر السّياسة وما يتعلّق بها فيما يَرجع إلى أهل مَكّة ، ومن يدخل تحت ولايتِه دائما ، ثمّ نهاه عن توسّط السُّفَراء والحُجّاب بينه وبينهم ، بل ينبغي أن يكون سفيرَه لسانُه ، وحاجبَه وجهُه ، ورُوِي «ولا يكن إلاّ لسانُك سفيرا لك إلى الناس» يَجْعل «لسانك» اسم كان مثل قوله : «فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاّ أنْ قَالُوا»۳ ، والرواية الأُولى هي

1.سورة الحج ۲۵ .

2.في الرسالة (۳۳) ، قُثَم بن العباس بن عبد المطلب ؛ كان من أفضل بني العباس ، وأشبههم برسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وكان والياً لأمير المؤمنين عليه السلام على مكّة . استشهد بسمرقند زمن معاوية . [الاستيعاب ۳:۱۳۰۴]

3.سورة النمل ۵۶ ، العنكبوت ۲۴ و۲۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120942
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي