353
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

«يُخْرِجُ الحيَّ مِنَ الميِّت ويُخْرِجُ الميِّت من الحيّ»۱ . قوله «فيما رقّي» بالتشديد ، أي فيما رفع إليّ ؛ وأصله أن يكون الإنسان في موضعٍ عالٍ فيرقى إليه شيء ، وكأنّ العلوّ هاهنا هو علوّ المرتبة بين الإمام والأمير ، ونحوه قولهم : تعالى باعتبار علوّ رُتْبة الآمر على المأمور . واللاّم في «لهواك» متعلّقة بمحذوف دلّ عليه انقياداً ، ولا يتعلّق بنفس «انقياد» ؛ لأنّ المتعلّق من حروف الجرّ بالمصدر لا يجوز أن يتقدّم على المصدر . والعتاد : العُدّة . قوله : «وتصل عشيرتك » كان فيما رقّي إليه عنه أنه يقتطع المال ويُفِيضه على رَهْطه وقومِه ويُخرِج بعضه في لذّاته ومآربه .
قوله : «لجمل أهلِكَ» العَرَب تَضرِب بالجمَل المَثَل في الهوان . فأمّا شِسْع النَّعْل فضَرْب المثل بها في الاستهانة مشهور ، لابتذالها ووطئها الأقدام في التراب .
ثم ذكر أنّه من كان بصفته فليس بأهلٍ لكذا ولا كَذَا ، إلى أن قال : «أو يشرك في أمانة » ؛ وقد جَعَل اللّه تعالى البلاد والرعايا أمانةً في ذمّة الإمام ، فإذا استعمل العمّال على البلاد والرّعايا فقد شرَكهم في تلك الأمانة .
قال : «أو يؤمن على جباية» ، أي على استِجْباء الخراج وجمعه ، وهذه الرّواية الّتي سمعناها ، ومن الناس من يَرْويها «على خيانة» ، وهكذا رواها الراونديّ ، ولم يرو الرواية الصحيحية التي ذكرناها نحن . ثم أمَره أن يُقبل إليه ، وهذه كنايةٌ عن العَزْل .
فأمّا الكلمات الّتي ذكرها الرضيّ عنه عليه السلام في أمر المُنذر فهي دالّة على أنّه نَسَبَه إلى التِّيه والعُجْب ، فقال : نظّار في عِطْفيه ، أي جانبيه ، ينظر تارةً هكذا وتارة هكذا ، ينظُر لنفسه ، ويَستحسِن هَيْئَته ولبْستَه ، وينظر هل عنده نَقْص في ذلك أو عَيْب فيستدركُه بإزالته ، كما يفعل أربابُ الزّهْو ومن يدّعي لنفسه الحسن والملاحة .
قال : مُختالٌ في بُرْدَيْه : يمشي الخُيلاء عُجْبا . «تفّال في شِراكيه» ، الشِّراك السَّيْر الّذي يكون في النّعل على ظَهْر القدم . والتَّفْل بالسكون : مصدر تَفَل أي بَصَق ، والتَّفَل محركا البُصاقُ نفسه ، وإنّما يفعله المُعجِب والتّائِهِ في شِراكَيْه ليذهب عنهما الغُبار والوسخ ، يَتْفُل فيهما ويمسَحهما ليعودا كالجَدِيدين .

1.سورة الروم ۱۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
352

71

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود العبدي
وقد كان استعمله على بعض النواحي ، فخان الأمانة في بعض ما ولاّه من أعماله :
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ صَلاَحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ ، وَظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِـعُ هَدْيَهُ ، وَتَسْلُكُ سَبِيلَهُ ، فَإِذَا أَنْتَ فِيَما رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لاَ تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً ، وَلاَ تُبْقِي لاِخِرَتِكَ عَتَاداً . تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بَخَرَابِ آخِرَتِكَ ، وَتَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ . وَلَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَشِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ ، وَمَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ ، أَوْ يُنفّذَ بِهِ أَمْرٌ ، أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ ، أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةِ ، أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ ،فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هذَا إِنْ شَاءَ اللّهُ .

قال الرضي رحمه اللّه تعالى :
المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام : إنه لنّظّارٌ في عِطفيه مختال في بُرْدَيْه تَفّالٌ في شِرَاكَيْهِ .

الشّرْحُ:

هو المُنذِر بنُ الجارود . واسم الجارود بشْرُ بنُ خُنَيس بن المعلّى . ووفد الجارودُ على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمفي سنة تسع ، وقيل : في سنة عشرٍ . وذَكَر أبو عمرَ بنُ عبدِ البرّ في كتاب (الاستيعاب) أنه كان نصرانيّا فأسلم وحَسُن إسلامُهُ ، وسَكَن الجارودُ البَصْرة ، وقُتِل بأرض فارس .
فأمّا المُنذِر بنُ الجارُود فكان شريفا ، غيرُ معدود في الصّحابة ، وكان تائها مُعجَبا بنفسِه .
قوله عليه السلام : «إنّ صلاح أبيك غرّني منك» ، قد ذَكرْنا حال الجارود وصحبتَه وصلاحه ، وكثيرا ما يغترّ الإنسان بحال الآباء فيظنّ أنّ الأبناءَ على منهاجهم ، فلا يكون الأمرُ كذلك

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123290
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي