355
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وَمُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي . وَإِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الْأُمُورَ ، وَتُرَاجِعُنِي السُّطُورَ ، كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحَلاَمُهُ ، وَالْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُه مَقَامُهُ ، لاَ يَدْرِي أَلَهُ مَا يَأَتِي أَمْ عَلَيْهِ ، وَلَسْتَ بِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ.
وَأُقْسِمُ بِاللّهِ إنَّهُ لَوْلاَ بَعْضُ الاْسْتِبْقَاءِ ، لَوَصَلَتْ إِلَيْكَ مِنِّي قَوَارِعُ ، تَقْرَعُ الْعَظْمَ ، وَتَنْهَسُ اللَّحْمَ ! وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ ، وَتأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحَتِكَ ، وَالسَّلاَمُ لاِهْلِهِ .

الشّرْحُ:

رُوي : «نوازع» جمع نازعة ، أي جاذبة قالعة ، ورُوي : «تهلِس اللحم» و « تلهس» بتقديم اللام ، وتهلِس بكسر اللام : تذيبه حتى يصير كبدن به الهُلاس ، وهو السلّ ؛ وأمّا تلهس فهو بمعنى تلحس ، أبدِلت الحاء هاء ؛ وهو من لحِست كذا بلساني بالكسر ، ألحسه ، أي تأتي على اللحم حتى تلحسه لحسا ؛ لأنّ الشيء إنما يلحس إذا ذهب وبقي أثره ، وأمّا «يَنْهس» وهي الرواية المشهورة ، فمعناه يعترق . وتأذَن بفتح الذال ، أي تسمع .
قوله عليه السلام «إني لموهِّن رأيي» بالتشديد ، أي إني لائم نفسي ، ومستضعف رأيي في أن جعلتك نظيرا ، أكتُب وتجيبني ، وتكتب وأجيبك ؛ وإنما كان ينبغي أن يكون جواب مثلك السكوت لهوانِك .
فإن قلت : فما معنى قوله : «على التردد»؟
قلت : ليس معناه التوقّف ، بل معناه الترداد والتكرار ؛ أي أنا لائم نفسي على أني أكرر تارة بعد تارة أجوبتك عمّا تكتبه .
ثم قال : وإنك في مناظرتي ومقاومتي بالأُمور التي تحاولها ، والكتب التي تكتبها كالنائم يرى أحلاما كاذبة ، أو كمن قام مقاما بين يدي سلطان ، أو بين قوم عقلاء ليعتذر عن أمر ، أو ليخطب بأمر في نفسه ، قد بهظه مقامه ذلك ، أي أثقله فهو لا يدري : هل ينطق بكلام هو له ، أم عليه ، فيتحيّر ويتبلّد ، ويدركه العيُّ والحَصَر ؟!
قال : وإن كنتَ لست بذلك الرّجل فإنك شبيه به ؛ أمّا تشبيهه بالنائم ثم ذي الأحلام ، فإن معاوية لو رأى في المنام في حياة رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أنه خليفةٌ يخاطب بإمرة المؤمنين ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
354

72

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد اللّه بن العباس رضى الله عنهأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ ، وَلاَ مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ ۱ ؛ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ : يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ ، وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ ، فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ ، وَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بقُوَّتِكَ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم شرحُ مثل هذا الكلام ، وهذا معنىً مطروق ، قد قال الناس فيه فاكثروا :

قد يُرزَق العاجزُ الضعيفُ وماشَدّ بكُورٍ رَحْلاً ولا قَتَبَا
ويُحرَم المرءُ ذو الجلادةوالرّأْي ومن لا يزال مُغترِبا

73

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاويةأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ ، وَالاِسْتَِماعِ إِلَى كِتَابِكَ ، لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي ،

1.والمعنى : قد بيّن الإمام عليه السلام حقيقتين : الأولى : إن الإنسان لن يسبق أجله (لكل أجل الكتاب) ، فالوقت المقدّر لخروجه من الدنيا مؤقت مكتوب لا يستطيع الانسان أن يتقدّم عليه . ومع ذلك علينا أن لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة والثانية : أن الرزق مكتوب ومقدّر، فمهما جدّ الإنسان وسعى ، وسافر وتغرّب فلن يحصل الاعلى ما قدّر له . ولكن لا يهمل العمل والتدبير . انظر : الرسالة ۲۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123343
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي