357
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

كلامه على معنى آخر ، وهو أنه قد كان معه من الصّحابة قوم كثيرون سمِعوا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يلعن معاوية بعد إسلامه ، ويقول : إنّه منافق كافر ، وإنّه من أهل النار ، والأخبار في ذلك مشهورة ؛ فلو شاء أن يحمل إلى أهل الشام خطوطهم وشهاداتهم بذلك ، ويسمعهم قولهم ملافظةً ومشافهة لفعل ، ولكنه رأى العدول عن ذلك ، مصلحةً لأمر يعلمه هو عليه السلام ، ولو فعل ذلك لانتهسَ لحمه ، وإنما أبقى عليه .

74

الأصْلُ:

۰.ومن حِلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن
ونقل من خط هشام بن الكلبي :
هذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اليمَنِ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا ، وَرَبِيعَةُ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا ، أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ اللّهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ ، وَيَأْمُرُونَ بِهِ ، وَيُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ ، لاَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ، وَلاَ يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلاً ، وَأَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذلِكَ وَتَرَكَهُ ، أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ، دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، لاَ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ ، وَلاَ لِغَضَبِ غَاضِبٍ ، وَلاَ لاِسْتِذْلاَلِ قَوْمٍ قَوْماً ، وَلاَ لِمَسَبَّةِ قَوْمٍ قَوْماً ! عَلَى ذلِكَ شَاهِدُهُمْ وَغَائِبُهُمْ ، وَسَفِيهُهُمْ وَعَالِمُهُمْ ، وَحَلِيمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
356

ويحارب علياً على الخلافة ، ويقوم في المسلمين مقامَ رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لما طلب لذلك المنام تأويلاً ولا تعبيرا ، ولعدّة من وساوس الخيال وأضغاث الأحلام ؛ وكيف وأنَّى له أن يخطر هذا بباله ، وهو أبعد الخلق منه ؟ وهذا كما يخطر للنّفّاط أن يكون مَلِكا ، ولا تنظرنّ إلى نسبه في المناقب ، بل انظر إلى أن الإمامة هي نبوّة مختصرة ، وأن الطليق المعدود من المؤلفة قلوبهم المكذّب بقلبه وإن أقرّ بلسانه ، الناقص المنزلة عند المسلمين ، القاعد في أُخريات الصفّ إذا دخل إلى مجلس فيه أهل السوابق من المهاجرين ، كيف يخطر ببال أحد أنها تصير فيه ويملكها ويسمه الناس وسمَها ، ويكون للمؤمنين أميرا ، ويصير هو الحاكم في رقاب أولئك العظماء من أهل الدّين والفَضْل ؟ وهذا أعجب من العَجب ! أن يجاهد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قوما بسيفه ولسانه ثلاثا وعشرين سنة ، يلعنهم ويبعدهم عنه ، وينزل القرآن بذمهم ولعنهم ، والبراءة منهم ، فلما تمهّدت له الدولة ، وغلب الدّين على الدّنيا ، وصارت شريعة دينيّة محكمة ، مات فشيَّد دينه الصالحون من أصحابه ، وأوسعوا رقعة ملَّته ، وعظم قدرُها في النفوس ، فتسلّمها منهم أولئك الأعداء ، الذين جاهدهم النبي صلى الله عليه و آله وسلمفملكوها وحكموا فيها ، وقتلوا الصُّلحاء والأبرار وأقارب نبيّهم الذين يظهرون طاعته ، وآلت تلك الحركة الأُولى وذلك الاجتهاد السابق إلى أن كان ثمرته لهم ؛ فليتَهُ كان يبعث فيرى معاوية الطّليق وابنه ، ومَرْوان وابنه ، خلفاء في مقامه ، يحكمون على المسلمين ، فوضح أنّ معاوية فيما يراجعه ويكاتبه به ؛ كصاحب الأحلام .
وأمّا تشبيهه إياه بالقائم مقاما قد بهظه ؛ فلأن الحجج والشّبه والمعاذير التي يذكرها معاوية في كتبه أوهن من نسج العنكبوت ، فهو حال ما يكتب كالقائم ذلك المقام ، يخبط خبط العشواء ، ويكتب ما يعلم هو والعقلاء من النّاس أنّه سفَه وباطل .
فإن قلت : فما معنى قوله عليه السلام : «لولا بعض الاستبقاء» ؟ وهل كانت الحال تقتضي أن يستبقي ؟ وما تلك القوارع التي أشار إليها؟
قلت : قد قيل : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم فَوّض إليه أمرَ نسائه بعد موته ، وجعل إليه أن يقطع عصمة أيَّتهن شاء إذا رأى ذلك ، وله من الصحابة جماعةٌ يشهدون له بذلك ، فقد كان قادرا على أن يقطع عصمة أُمّ حبيبة ، ويبيح نكاحها الرّجال عقوبة لها ولمعاوية أخيها ، فإنها كانت تُبغض عليّا كما يُبغضه أخوها ، ولو فعل ذلك لانتهسَ لحمه ، وهذا قول الإماميّة وقد رووا عن رجالهم أنه عليه السلام تهدّد عائشة بضرب من ذلك ۱ ، وأمّا نحن فلا نصدّق هذا الخبر ، ونفسّر

1.قول الشارح : «وهذا قول الإمامية» ، وقد فسّر ( القوارع ) في كلام الامام عليه السلام بما ذكره من تفويض أمر نسائه صلى الله عليه و آله وسلمإلى الامام عليه السلام . أقول : أولاً : لا أحد من أعلام الإمامية فسّر ( القوارع ) بما ذكر . وثانيا : أن أصل تفويض النبي صلى الله عليه و آله وسلمأمر نسائه إلى الإمام عليه السلام ، لم يكن من مختصّات الإمامية . فقد ذكر ذلك بعض العامة ، منهم ( أحمد بن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح ۲:۳۴۰ طبعة مصر ) . وثالثا : ليس المراد من طلاقهنّ إباحة نكاحهن ، بل سقوط حرمتهنّ . فحتى لو أنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلمطلّق امرأة لم يدخل بها ، لم يجز نكاحها أيضا .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123375
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي