359
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

75

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام
إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلافة
ذكره الواقدي في كتاب الجمل :
مِنْ عَبْدِ اللّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ :
أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ عَلِمْتَ إِعْذَارِي فِيكُمْ ، وَإِعْرَاضِي عَنْكُمْ ، حَتَّى كَانَ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَلاَ دَفْعَ لَهُ ؛ وَالْحَدِيثُ طَوِيلٌ ، وَالْكَـلاَمُ كَثِيرٌ ، وَقَدْ أَدبَرَ مَا أَدبَرَ ، وَأَقْبَلَ مَا أَقْبَلَ . فَبَايِعْ مَنْ قِبَلَكَ ، وَأَقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَفْدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ . وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

كتابه إلى معاوية ومخاطبته لبني أُميّة جميعا ، قال : «وقد علمت إعذاري فيكم» ، أي كوني ذا عذرٍ لو لُمْتُكُمْ أو ذممتكم ـ يعني في أيّام عثمان . ثم قال : «وإعراضي عنكم» ، أي مع كوني ذا عذر لو فعلت ذلك فلم أفعله ، بل أعرضت عن إساءتكم إليّ وضربت عنكم صفحا . حتى كان ما لابدّ منه ـ يعني قتل عثمان وما جرى من الرّجَبَةِ بالمدينة .
ثم قاطعه الكلام مقاطعة وقال له : والحديث طويل ، والكلام كثير ، وقد أدبر ذلك الزمان ، وأقبل زمان آخر ، فبايع وأقدِم . فلم يبايع ولا قدم ، وكيف يبايع وعينه طامحة إلى الملك والرئاسة منذ أمّره عمر على الشام ؛ وكان عاليَ الهمّة ، توّاقا إلى معالي الأُمور ، وكيف يطيع عليّا والمحرّضون له على حَرْبه عدد الحصا ، ولو لم يكن إلاّ الوليد بن عقبة لكفى ، وكيف يسمع قوله :

فواللّهِ ما هندٌ بأُمّك إن مضى النّــهارُ ولم يثأر بعثمان ثائرُ
أيَقتل عبدُ القوم سيّدَ أهلِهولم تقْتلوه ، ليت أُمّك عاقرُ
ومن عجبٍ أنْ بتّ بالشام وادعاقريراً وقد دارت عليه الدوائرُ!
ويطيع عليّا ، ويبايع له ، ويُقدم عليه ، ويسلّم نفسه إليه ، وهو نازل بالشام في وسط


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
358

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِمْ بِذلِكَ عَهْدَ اللّهِ وَمِيثَاقَهُ ، إنَّ عَهْدَ اللّهِ كَانَ مَسْؤُولاً .
وكتب علي بن أبي طالب .

الشّرْحُ:

الحِلْف : العهد ، أي ومن كتاب حِلْف ؛ فحذف المضاف . واليمن : كلّ مَن ولده قحطان ؛ نحو حِمْيَر ، وعكّ ، وجُذام ، وكِنْدة ، والأزد ، وغيرهم .
وربيعة ، هو ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان ؛ وهم بكْر وتغلِب ، وعبد القيس .
وهشام ، هو هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ ، نسّابة ابن نسّابة ؛ عالم بأيّام العرب وأخبارها ، وأبوهُ أعلم منه ، وهو يروي عن أبيه .
والحاضر : ساكنو الحَضَر ، والبادي : ساكنو البادية ؛ واللفظ لفظ المفرد والمعنى الجمع .
قوله : «إنهم على كتاب اللّه » حرف الجرّ يتعلّق بمحذوف ، أي مجتمعون .
قوله : «لا يشترونَ بهِ ثمنا قليلاً» ، أي لا يتعوّضون عنه بالثمن ، فسمّى التعوّض اشتراء ؛ والأصل هو أن يشتري الشيء بالثمن لا الثمن بالشيء ، لكنه من باب اتّساع العرب ، وهو من ألفاظ القرآن العزيز ۱ . وإنّهم يدٌ واحدة ، أي لا خلف بينهم .
قوله : «لمعتبة عاتب» ، أي لا يؤثّر في هذا العهد والحلف ولا ينقضه أن يعتب أحد منهم على بعضهم ؛ لأنّه استجداه فلم يُجدِه ، أو طلب منه أمرا فلم يقم به ، ولا لأنّ أحدا منهم غضب من أمرٍ صدر من صاحبه ، ولا لأنّ عزيزا منهم استذلّ ذليلاً منهم ، ولا لأنّ إنسانا منهم سبّ أو هجا بعضهم ، فإنّ أمثال هذه الأُمور يتعذّر ارتفاعها بين الناس ؛ ولو كانت تنقض الحِلْف لما كان حلف أصلاً .
واعلم أنه قد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «كلّ حِلْف كان في الجاهليّة فلا يزيده الإسلام إلاّ شدة» ؛ ولا حلف في الإسلام ، لكن فِعْل أمير المؤمنين عليه السلام أولى بالاتّباع من خبر الواحد ؛ وقد تحالفت العرب في الإسلام مرارا ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليطلبه من كتب التواريخ .

1.وهو قوله تعالى : «وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنا قَلِيلاً» سورة البقرة ۴۱ ، والمائدة ۴۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120845
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي