37
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

فإن قلت : إذا كان يلحَق بكلِّ معبود عَبَدته ؛ فالنصارى إذن تلحق بعيسى ، والغلاة من المسلمين بعليّ ، وكذلك الملائكة ، فما القول في ذلك؟
قلت : لا ضرر في التحاق هؤلاء بمعبوديهم ، ومعنى الالتحاق أن يؤمَر الأتباع في الموقف بالتحيّز إلى الجهة التي فيها الرؤساء ، ثم يقال للرؤساء : أهؤلاء أتباعكم وعبدتكم؟ فحينئذٍ يتبرؤون منهم ، فينجو الرؤساء ، وتهلك الأتباع ، كما قال سبحانه : «أَهؤلاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحانَكَ أَنتَ وَليُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنّ أكثَرُهُم بِهِمْ مؤمِنُون»۱ ، أي إنّما كانوا يطيعون الشياطين المضلّة لهم ، فعبادتهم في الحقيقة للشياطين لا لنا ، وإنهم ما أطاعونا ، ولو أطاعونا لكانوا مهتدين ، وإنما أطاعوا شياطينهم .
ولا حاجة في هذا الجواب إلى أن يقال ما قيل في قوله تعالى : «إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ»۲ من تخصيص العموم بالآية الاُخرى ، وهي قوله تعالى : «إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ»۳ .
فإن قلت : فما قولك في اعتراض ابن الزّبِعْرَى على الآية ، هل هو وارد؟
قلت : لا ؛ لأنّه قال تعالى : «إنَّكمْ وَمَا تَعْبُدُونَ» و «ما» لما لا يعقل ، فلا يردُ عليه الاعتراض بالمسيح والملائكة ، والذي قاله المفسرون من تخصيص العموم بالآية الثانية
تكلّف غير محتاج إليه .
فإن قلت : فما الفائدة في أن قَرَن القوم بأصنامهم في النّار؟ وأي معنى لذلك في زيادة التعذيب والسخط؟
قلت : لأنّ النظر إلى وجه العدوّ باب من أبواب العذاب ، وإنّما أصاب هؤلاء ما أصابهم بسبب الأصنام التي ضلّوا بها ، فكلّما رأوها معهم زاد غمّهم وحسرتهم . وأيضا فإنهم قدّروا أن يستشفعوا بها في الآخرة ، فإذا صادفوا الأمرر على عكس ذلك لم يكن شيء أبغضَ إليهم منها .
قوله : «فلم يَجْر» قد اختلف الرّواة في هذه اللفظة ، فرواها قوم «فلم يَجْر» وهو مضارع «جَرى يجري» ، تقول : ما الذي جرى القوم؟ فيقول مَنْ سألته : قَدِم الأمير من السفر ، فيكون المعنى على هذا : فلم يكن ولم يتجدّد في ديوان حسابه ذلك اليوم صغير ولا حقير إلاّ بالحقّ

1.سورة سبأ ۴۰ و ۴۱ .

2.سورة الأنبياء ۹۸ .

3.سورة الأنبياء ۱۰۱ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
36

والمعذِرة بكسر الذال : العذر . ويقال : لقد أبرح فلان جهالةً ، وأبرح لؤما ، وأبرح شجاعة ، وأتى بالبرْح من ذلك ، أي بالشَّديد العظيم . ويقال : هذا الأمر أبرحُ من هذا ، أي أشدّ ، وقتلُوه أبْرَح قَتْل . وجهالةً منصوب على التمييز .
قوله : «ما جرّأك» بالهمزة ، وفلان جريء القوم ، أي مقدّمهم . وما أنَّسك بالتشديد ، وروي : «ما آنسك» بالمدّ ؛ وكلاهما من أصل واحد ، وتأنّست بفلان واستأنستُ بمعنىً ، وفلان أنيسي ومؤانسي ، وقد أنّسني وآنسني كلّه بمعنى ، أي كيف لم تستوحش من الأُمور الّتي تؤدي إلى هلكة نفسك ؟ والبُلُول : مصدر بلّ الرجل من مرضه ، إذا برئ . والضَّاحي لحرّ الشمس : البارز . وهذا داء ممضّ ، أي مؤلم ، أمضنى الجرح إمضاضا ، ويجوز «مَضّنِي» . وروي : «وجلّدك عَلَى مَصَائبك» ، بصيغة الجمع . وبَيَات نقْمة بفتح الباء ، طروقُها ليلاً ، وهي من ألفاظ القرآن العزيز ۱ . وتورّط : وقع في الورْطة ، بتسكين الرّاء ، وهي الهلاك ، وأصل الورْطة أرضٌ مطمئنّة لا طريق فيها ، وقد أورَطَه ، وورّطه توريطا ، أي أوقعه فيها . والمدارج : الطرق والمسالك ، ويجوز انتصاب «مدارج» هاهنا ؛ لأنها مفعول به صريح ، ويجوز أن ينتصب على تقدير حرف الخفض وحذفه ، أي في مدارج سطواته .
قوله : و «تَمثّل» أي وتصوّر . ويتغمّدك بفضله ، أي بسترك بعفوه ، وسمِّيَ العفو والصفح فضلاً ؛ تسمية للنّوع بالجنس . قوله : «مَطْرَف عين» بفتح الراء ، أي زمان طرف العين ، وطرْفها : إطباق أحدِ جفنيها على الآخر ، وانتصابُ «مطرف» هاهنا على الظرفية ، كقولك :
وردت مقدمَ الحاجّ ، أي وقت قدومهم .
قوله : «متوازِيَيْن في القُدرة» ، أي متساوييْن ، وروي : «متوازنين» بالنون . والعظات : جمع عِظَة ، وهو منصوب على نزع الخافض ، أي كاشفتك بالعظات ، وروي «العظاتُ» بالرفع على أنّه فاعل . وروي : «كاشفتك الغطاء» . وآذنْتك ، أي أعلمتك . وعلى سواء ، أي على عَدْل وإنصاف ، وهذا من الألفاظ القرآنية ۲ . والراجفة : الصيْحة الأُولى ، وحقّتْ بجلائلها القيامة ، أي بأُمورها العظام . والمنسِك : الموضع الذي تذبح فيه النسائك ، وهي ذبائح القربان ويجوز فتح السين ، وقد قرئ بهما في قوله تعالى : «لِكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنْسِكا»۳ .

1.منه قوله تعالى : «وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ » سورة الأعراف ۴ .

2.منه قوله تعالى : «وَإمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء» سورة الأنفال ۵۸ .

3.سورة الحج ۶۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120979
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي