379
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وقد دبّرتْ من قبلُ قريش في حماية العِير بأن نفَرتْ على الصَّعْب والذَّلول لِتدفَع رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله وسلمعن اللَّطيمة ، فكان هلاكُها في تدبيرِها .
وكُسِرت الأنصارُ يومَ أُحُد بأن أخرَجت النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم عن المدينة ظنّا منها أن الظفر والنُّصْرة كانت بذلك ، وكان سببُ عَطَبها وظَفر قريشٍ بها ، ولو أقامت بين جُدْران المدينة لم تَظفرُ قريشٌ منها بشيء .
ودَبَّر أبو مسلم أمرَ الدّولة الهاشميّة ، وقام بها حَتّى كان حَتْفُه في تدبيره .
وكذلك جَرَى لأبي عبدِ اللّه المحتسِب مع عبدِ اللّه المهديّ بالمغرب .
وأمثالُ هذا ونظائرُه أكثرُ من أن تُحصَى .

18

الأصْلُ:

۰.وَسُئِلَ عليه السلام عن قول الرسول صلى الله عليه و آله : «غَيِّرُوا الشَّيْبَ ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» ؛ فَقَال عليه السلام :
إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه و آله ذلِكَ وَالدِّينُ قُلٌّ ، فَأَمَّا الآنَ وَقَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ ، وَضَرَبَ بَجِرَانِهِ ، فَامْرُؤٌ وَمَا اخْتَارَ .

الشّرْحُ:

اليهودُ لا تَخضِب ، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أمر أصحابه بالخِضابِ ليكونوا في مَرْأى العين شَباباً ، فيَجْبنَ المشركون عنهم حال الحرْب ، فإنّ الشيخَ مَظِنّة الضَّعف .
قال عليٌّ عليه السلام : «كان ذلك والإسلامُ قُلّ» ، أي قليل ؛ وأمّا الآن وقد اتّسع نطاقُه وضَرَب بجِرانه فقد سَقط ذلك الأمرُ وصار الخضاب مُباحا غيرَ مندوب .
والنِّطاق : ثوبٌ تلبَسه المرأةُ لبسةً مخصوصة ، ليس بصُدرةِ ولا سراويلَ ، واستعارَ أميرُ المؤمنين عليه السلام هذه اللّفظة لسَعة رُقْعة الإسلام ، وكذلك استعار قوله : «وضَرَب بجِرانه» ، أي أقام وثَبَت ، وذلك لأنّ البعير إذا ضَرَب بجِرانه الأرض ـ وجِرانهُ مقدَّم عنقِه ـ فقد استناخ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
378

16

الأصْلُ:

۰.مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ .

الشّرْحُ:

هذه الكلمة قالها عليٌّ عليه السلام لسعد بنِ أبي وَقّاص ، ومحمّدِ بنِ مَسلَمةَ ، وعبدِ اللّه بنِ عمرَ ، لمّا امتَنعوا من الخروج معه لحرب أصحابِ الجَمَل ۱ ، ونظيرُها أو قريبٌ منها قولُ أبي الطيّب :

فما كلّ فعّالٍ يجازى بفعلِهِولا كلُّ قَوّالٍ لديّ يُجابُ
وربَّ كلامٍ مرَّ فوق مَسامعيكما طنّ في لوْحِ الهجير ذبابُ

17

الأصْلُ:

۰.تَذِلُّ الْأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ ، حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ فِي التَّدْبِيرِ ۲ .

الشّرْحُ:

إذا تأمّلتَ أحوالَ العالَم وجدت صِدقَ هذه الكلمة ظاهرا ، ولو شئنا أن نَذكُر الكثيرَ من ذلك لذكَرْنا ما يَحتاج في تقييده بالكتابة إلى مِثْل حَجْم كِتابنا هذا ، ولكنّا نذكر لمحا ونُكَتا وأطرافا ودُرَراً من القول .

1.يراد : لا يتوجّه العتاب واللّوم على كل داخل في فتنة ، إذ ربّما كان له عذر في ذلك ، أو أن سبب فتنته لم يكن باختياره ، وأمّا من فتن وكان معجبا بنفسه ورأيه لمجرد الهوى والتعصّب ؛ لم ينجع عتابه ، ولم ينفع نصيحته ، كابن عمر ، وابن الوقاص وأضرابهما . حيث امتنعوا عن بيعة الإمام عليه السلام ، ولم ينصروا حقا ، ولم يخذلوا باطلاً .

2.يعني أنّ مَنْ قدّر اللّه (حتفَه) ، أي هلاكه ، فإن تدبيره وتخطيطه يؤدي إلى تدميره .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123255
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي