الشّرْحُ:
قال بعضُ الحُكماء : الدنيا تَسُرّ لِتَغُرّ ، وتُفِيد لتَكِيد ، كم راقدٍ في ظلّها قد أيقَظتْه ، وواثقٍ بها قد خذَلَتْه ، بهذا الخُلُق عُرِفَتْ ، وعلى هذا الشرْط صُوحِبتْ . 
 وكتب الإسكندرُ إلى أرِسْطوطاليس : عِظْني ، فكتب إليه : إذا صَفَتْ لك السلامة فجدّد ذِكرَ العَطَب ، وإذا اطمأنّ بك الأَمْن فاستشْعر الخوف ، فإذا بلغتَ نهايةَ الأمل فاذكر الموتَ ، وإذا أجبت نفسك فلا تجعل لها نصيبا في الإساءة .
71
الأصْلُ:
  ۰.مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاس إِمَاماً فَعَليهِ أنْ يبدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ ، وَلْيَكُنْ تَأدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ ؛ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاْءِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاس وَمُؤدِّبِهِمْ .
الشّرْحُ:
الفروع تابعة للأُصول ، فإذا كان الأصل معوجّا استحالَ أن يكون الفرعُ مستقيما ، كما قال صاحبُ المَثَل : وهل يستقيمُ الظِّلّ والعُود أعوج ، فمن نَصَب نفسه للناس إماما ، ولم يكن قد علّم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس ، كان مِثل من نصب نفسه ليُعلم النّاس الصِّياغة ، والنجارة ، وهو لا يُحْسِن أن يصوغَ خاتما ، ولا ينجُر لوحا ، وهذا نوعٌ [من] السَّفَه ، بل هو السَّفَهُ كلُّه ؛ ثم قال عليه السلام : وينبغي أن يكون تأديبُه لهم بفعله وسيرته قبل تأديبه لهم بلسانه ، وذلك لأنّ الفِعْل أدلّ على حال الإنسان من القول . ثم قال : ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقُّ بالإجلال من معلم الناس ومؤدّبهم . وهذا حق ؛ لأنّ من علم نفسه محاسن الأخلاق أعظمُ قَدْرا ممن تعاطى تعليم الناس ذلك وهو غيرُ عامل بشيء منه ، فأما من عَلَم نفسه وعلّم الناس فهو أفضل وأجَلّ ممن اقتصر على تعليم نفسه فقط لا شُبْهةَ في ذلك .