413
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

قال بعضُ الحُكماء : الدنيا تَسُرّ لِتَغُرّ ، وتُفِيد لتَكِيد ، كم راقدٍ في ظلّها قد أيقَظتْه ، وواثقٍ بها قد خذَلَتْه ، بهذا الخُلُق عُرِفَتْ ، وعلى هذا الشرْط صُوحِبتْ .
وكتب الإسكندرُ إلى أرِسْطوطاليس : عِظْني ، فكتب إليه : إذا صَفَتْ لك السلامة فجدّد ذِكرَ العَطَب ، وإذا اطمأنّ بك الأَمْن فاستشْعر الخوف ، فإذا بلغتَ نهايةَ الأمل فاذكر الموتَ ، وإذا أجبت نفسك فلا تجعل لها نصيبا في الإساءة .

71

الأصْلُ:

۰.مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاس إِمَاماً فَعَليهِ أنْ يبدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ ، وَلْيَكُنْ تَأدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ ؛ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاْءِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاس وَمُؤدِّبِهِمْ .

الشّرْحُ:

الفروع تابعة للأُصول ، فإذا كان الأصل معوجّا استحالَ أن يكون الفرعُ مستقيما ، كما قال صاحبُ المَثَل : وهل يستقيمُ الظِّلّ والعُود أعوج ، فمن نَصَب نفسه للناس إماما ، ولم يكن قد علّم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس ، كان مِثل من نصب نفسه ليُعلم النّاس الصِّياغة ، والنجارة ، وهو لا يُحْسِن أن يصوغَ خاتما ، ولا ينجُر لوحا ، وهذا نوعٌ [من] السَّفَه ، بل هو السَّفَهُ كلُّه ؛ ثم قال عليه السلام : وينبغي أن يكون تأديبُه لهم بفعله وسيرته قبل تأديبه لهم بلسانه ، وذلك لأنّ الفِعْل أدلّ على حال الإنسان من القول . ثم قال : ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقُّ بالإجلال من معلم الناس ومؤدّبهم . وهذا حق ؛ لأنّ من علم نفسه محاسن الأخلاق أعظمُ قَدْرا ممن تعاطى تعليم الناس ذلك وهو غيرُ عامل بشيء منه ، فأما من عَلَم نفسه وعلّم الناس فهو أفضل وأجَلّ ممن اقتصر على تعليم نفسه فقط لا شُبْهةَ في ذلك .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
412

الشّرْحُ:

العدالة هي الخُلُق المتوسّط ، وهو محمود بين مَذْمُومين ، فالشجاعة محفوفة بالتهوّر والجُبْن . والذّكاء بالغَباوة والجربزة . والجود بالشحّ والتبذير . والحلم بالجمادية والاستشاطة ، وعلى هذا كلّ ضدّين من الأخلاق فبينهما خُلُق متوسّط ، وهو المسمَّى بالعدالة، فلذلك لا يُرَى الجاهلُ إلاّ مُفرِطا أو مفرِّطا ، كصاحب الغَيْرة ، فهو إمّا أن يُفرِط فيها ، فيَخرُج عن القانون الصّحيح فيَغار لا مِنْ مُوجب ، بل بالوَهْم وبالخيال وبالوَسْواس ، وإمّا أن يُفرِّط فلا يَبحَث عن حالِ نسائِه ولا يُبَالي ما صنَعْن، وكلا الأمْرَين مذموم ، والمحمودُ الاعتدال .

69

الأصْلُ:

۰.إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَـلاَمُ ۱ .

الشّرْحُ:

وكان يقال: إذا رأيتم الرجلَ يُطِيل الصمتَ ويَهرُب من النّاس ، فاقرُبوا منه فإنه يلقَّى الحِكْمة.

70

الأصْلُ:

۰.الدَّهرُ يُخْلِقُ الْأَبْدَانَ ، وَيُجَدِّدُ الآمَالَ ، وَيُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ ، ويُبَاعِدُ الْأُمْنِيَّةَ ؛ مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ ، ومَنْ فَاتَهُ تَعِبَ ۲ .

1.أي أنّ العاقل لا يتكلّم بما لا يعنيه ، فيقلّ كلامُه .

2.يخلق الأبدان : يبليها . يباعد الأُمنيّة : يجعلها بعيدة صعبة المنال . نصب : أعيى .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123270
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي