43
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

221

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلامدَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ ، وَبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ ، لاَ تَدُومُ أَحْوَالُهَا ، وَلاَ يَسْلَمُ نُزَّالُهَا . أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ ، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ ، وَالْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ ، وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتهْدَفَةٌ ، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا ، وَتُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا .
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللّهِ أَنَّكُم وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ هذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَكُمْ ،
مِمَّنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَاراً ، وَأَعْمَرَ دِيَاراً ، وَأَبْعَدَ آثَاراً ؛ أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً ، وَرِيَاحُهُمْ رَاكِدَةً ، وَأَجْسَادُهُمْ بِالِيَةً ، وَدِيَارُهُمْ خَالِيَةً ، وَآثَارُهُمْ عَافِيَةً . فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْمُشَيَّدَةِ ، وَالنمَارِقِ الْمُمَهَّدَةِ ، الصُّخُورَ وَالْأَحْجَارَ الْمُسَنَّدَةَ ، وَالْقُبُورَ الـلاَّطِئَةَ الْمُلْحَدَةَ ، الَّتي قَدْ بُنِيَ عَلَى الْخَرَابِ فِنَاوءهَا ، وَشُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤهَا ؛ فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ ، وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ ، بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّةٍ مُوحِشِينَ ، وَأهْلِ فَرَاغٍ مُتَشَاغِلِينَ ، لاَ يَسْتَأْنِسُونَ بِالْأَوْطَانِ ، وَلاَ يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِيرَانِ ، عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ الْجِوَارِ ، وَدُنُوِّ الدَّارِ . وَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَزَاوُرٌ ، وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى ، وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى!
وَكَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَاروا إِلَيْهِ ، وَارْتَهَنَكُمْ ذلِكَ الْمَضْجَعُ ، وَضَمَّكُمْ ذلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ . فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ ، وبُعْثِرَتِ الْقُبُورُ : «هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللّهِ موْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كَانُوا يفْتَرُون»۱ .

1.سورة يونس ۳۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
42

220

الأصْلُ:

۰.ومن دعاء له عليه السلاماللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ ، وَلاَ تَبْذُلْ جَاهِيَ بِالاْءِقْتَارِ ، فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقِكَ ، وَأَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ ، وَأُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي ، وَأُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي ، وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الاْءِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ ؛ «إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» .

الشّرْحُ:

صُنْ وجهي باليسار ، أي استره بأن ترزقَني يَسارا وثروة ، أستغني بهما عن مسألة الناس . ولا تبذل جاهي بالإقتار ، أي لا تسقط مروءتي وحرْمتي بين النّاس بالفقر الذي أحتاج معه إلى تكفّف الناس .
قوله : «فأسترزقَ» منصوب ؛ لأنّه جواب الدعاء ، كقولهم : ارزقني بعيراً فأحجَّ عليه . بيّن عليه السلام كيفية تبذّل جاهه بالإقتار ، وفسّره فقال : بأن أطلب الرزق ممّن يطلب منك الرزق . واستعطف الأشرار من النّاس، أيأطلب عاطفتهم وإفضالهم، ويلزم من ذلك أمران محذوران :
أحدهما أن أبتلي بحمد المعطي . والآخر أن أُفتتن بذمّ المانع .
قوله عليه السلام : «وأنت من وراء ذلك كلّه» مثل يقال للمحيط بالأمر ، القاهر له ، القادر عليه ، كما نقول للملك العظيم : هو من وراء وزرائه وكتّابه ، أي مستعدّ متهيّئ لتتبّعهم وتعقّبهم ، واعتبار حركاتهم ، لإحاطته بها وإشرافه عليها . وولّى ، مرفوع بأنّه خبر المبتدأ ، ويكون خبرا بعد خبَر ، ويجوز أن يكون « وليّ» هو الخبر ، ويكون «من وراء ذلك» ، جملة مركّبة من جار ومجرور منصوبة الموضع ؛ لأنّه حال .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120918
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي