429
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

91

الأصْلُ:

۰.وسُئل عن الخير ما هو؟
فقال : لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ ، وَلكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ ، وَأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ ، وَأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ ؛ فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللّهَ ، وَإِنْ أَسَأتَ اسْتَغْفَرْتَ اللّهَ .وَلاَ خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ لِرَجُلَيْنِ : رَجُلٍ أَذنـَبَ ذُنُوباً فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا بِالتَّوْبَةِ ، وَرَجُلٍ يُسَارِعُ فِي الْخَيْرَاتِ ؛ ولاَ يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى ، وَكَيْفَ يَقِلُّ مَا يُقبَلُ!

الشّرْحُ:

قد قال الشاعر لهذا المعنى :

ليس السّعيدُ الذي دُنياه تُسعِدُهبل السعيد الذي ينجُو من النارِ
قوله عليه السلام : «ولا يَقِلّ عملٌ مع التقوى» ، أي مع اجتناب الكبائر ؛ لأنّه لو كان مُوقِعا لكبيرة لما تُقبِّل منه عملُ أصلاً على قول أصحابنا ، فوجب أن يكون المراد بالتقوى اجتنابَ الكبائر ؛ فأمّا مذهبُ المرجِئة فإنهم يحملون التّقوى هاهنا على الإسلام ؛ لأنّ المسلم عندهم تتقبَّل أعماله ، وإن كان مُواقعا للكبائر .
فإن قلت : فهل يجوز حملُ لفظة «التقوى» على حقيقتها ، وهي الخوف؟
قلت : لا . أما على مَذهبنا فلان من يخافُ اللّه ويواقع الكبائرَ لا تتقبل أعمالُه ، وأمّا مذهب المرجئة فلأنّ من يخاف اللّه مِن مخالفِي مِلّة الإسلام لا تتقبل أعمالُه ، فثبت أنه لا يجوز حملُ التقوى هاهنا على الخوف .
فإن قلت : مَنْ هو مخالفٌ لمِلة الإسلام لا يخافُ اللّه لأنّه لا يعرفه؟
قلت : لا نسلّم ، بل يجوز أن يعرف اللّه بذاته وصِفاته ، كما نعرفه نحن ، ويجحد النبوّة لشُبْهة وقعت له فيها ، فلا يلزم من جَحْد النبوة عدمُ معرفة اللّه تعالى .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
428

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ» ، وَمَعْنَى ذلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُ عبادَهُ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِهِ ، وَالرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ ، وإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَلكِنْ لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ الذٌّكُورَ وَيَكْرَهُ الاْءِنَاثَ ، وَبَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ الْمَالِ ، وَيَكْرَهُ انْثِلاَمَ الْحَالِ .
قال الرضي رحمه اللّه تعالى : وهذا من غريب ما سمع منه عليه السلام في التفسير .

الشّرْحُ:

الفتنة لفظٌ مشتَرك ؛ فتارةً تُطْلَق على الجائحة والبليّة تصيبُ الإنسان ، تقول : قد افتَتَن زيد وفُتِن فهو مفتون إذا أصابتْه مُصيبة فذَهَب مالُه أو عقلُه ، أو نحوُ ذلك ، قال تعالى : «إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ»۱ يَعنِي الّذين عذَّبوهم بمكّة ليرتدّوا عن الإسلام ، وتارةً تُطلَق على الاختبار والامتِحان ، يقال : فتنتُ الذهبَ إذا أدخلتَه النار لتَنظرَ ما جَوْدَته ، ودينارٌ مَفْتون ، وتارةً تُطلَق على الإحراق ، قال تعالى : «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ»۲ ووَرق مَفْتون ، أي فِضّة مُحرَقة ، ويقال للحَرَّة : فَتِين كأنّ حِجارتَها مُحرَقة ، وتارةً تُطلَق على الضّلال ، يقال رجلٌ فاتن ومُفتن ، أي مُضِلّ عن الحَقِّ جاء ثُلاثيّا ورُباعيّا ، قال تعالى : «مَا أنْتُمْ عَلَيهِ بِفَاتِنِينَ * إلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ»۳ أي بمضلّين ، وقرأ قومٌ «مفتنين» ، فمن قال : إنّي أعوذُ بك من الفِتْنة ، وأرادَ الجائحة ، أو الإحراق أو الضلال ، فلا بأس بذلك ، وإنْ أراد الاختبار والامتحانَ فغيرُ جائز ؛ لأنّ اللّه تعالى أعلمُ بالمَصلَحة ، وله أن يَختبِر عبادَه لا ليَعلَمَ حالَهم ، بل ليَعلَم بعضُ عبادِه حالَ بعض ، وعندي أنّ أصلَ اللّفظة هو الاختبار والامتحان ، وأنّ الاعتبارات الأُخرى راجعة إليها ، وإذا تأمَّلْتَ علمتَ صحّةَ ما ذكرناه .

1.سورة البروج ۱۰ .

2.سورة الذاريات ۱۳ .

3.سورة الصافات ۱۶۲ ، ۱۶۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120949
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي