439
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

قد وَقع مِثلُ هذا كثيراً ، كما جَرَى لعبد اللّه بن المقفَّع ، وفضلُه مشهور ، وحِكمتُه أشهر من أن تذكر .

105

الأصْلُ:

۰.لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هذَا الاْءِنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ ؛ وَهُوَ الْقَلْبُ . وَ ذلِكَ أَنَّ لَهُ مَوَادٌ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَادٌ مِنْ خِلاَفِهَا ؛ فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ ، وَإِنْ مَلَكَهُ الْيَأسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ ، وإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ ، وَإِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضا نَسِيَ التَّحَفُّظَ ، وَإِنْ غَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ ، وَإِنِ اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْنُ اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ ، وَإِنْ أَفَادَ مَالاً أَطْغَاهُ الْغِنَى ، وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ شَغَلَهُ الْبَلاَءُ ، وَإِنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَت بِهِ الضَّعَةُ ، وَإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ ، وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ .

الشّرْحُ:

رُوِي : «قَعَد به الضّعف» . والنِّياط : عِرْق عُلّق به القلب من الوَتين ، فإذا قُطِع ماتَ صاحبُة ، ويقال له : النّيط أيضا . والبَضْعَة بفتح الباءَ : القِطْعة من اللّحم ، والمراد بها هاهنا القلب ؛ قال :


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
438

أبهَم اللّه . وقال بعضُ الصالحين لبعض الفقهاء : لِمَ تفرض مسائل لَمْ تَقَع وأتعبت فيها فكرَك ! حَسْبُك بالمتداوَل بين الناس .
قالوا : هذا مِثلُ قولِهم في باب المَسْح على الخُفّين : فإنْ مَسَح على خفّ من زُجاج ؛ ونحو ذلك من النّوادر الغريبة .

103

الأصْلُ:

۰.لاَ يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لاِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إلاَّ فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ .

الشّرْحُ:

مثالُ ذلك إنسان يضيِّع وقتَ صلاةِ الفريضة عليه ، وهو مشتغِل بمحاسَبةِ وَكيله ومخافتهِ على مالِه ، خوفا أن يكون خانَه في شيء منه ، فهو يَحرِص على مناقَشتِه عليه ، فتفوته الصّلاة . قال عليه السلام : مَن فَعَلَ مِثلَ هذا فتَحَ اللّه عليه في أمرِ دُنْياه ومالِه ما هو أضرّ عليه ممّا رام أن يَستدرِكَه بإهماله الفريضة .

104

الأصْلُ:

۰.رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ ، وَعِلْمُهُ مَعَهُ لاَ يَنْفَعُهُ ۱ .

1.ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ، أن هذا الكلام جزء من خطبة خطبها الإمام عليه السلام في شأن طلحة والزبير لما ساروا من مكّة ومعهما عائشة يريدون البصرة بعد أنْ نكثا بيعتيهما ، نقلاً عن أبي مخنف في كتابه (الجمل) ۱:۲۳۳ . وهنا فسّر ابن أبي الحديد القتل بالقتل الظاهري ، فمثّل له بابن المقفّع لما كتب كتاب أمان لعبد اللّه بن علي ، موجّه لابن أخيه المنصور ، بأنه إن غدر المنصور بعمّه ، فنساؤه طوالق ، والناس في حلّ من بيعته ، وعبيده أحرار ، فاشتدّ ذلك على المنصور فأمر بقتله : ۱۸:۲۶۹ . ولهذا العالم الجاهل عدة صور ، منها : هو الذي يحفظ ولا يدري ، أو يعلم ولا يعمل ، أو يروي ولا بصيرة له ، أو يعلم ما لا حاجة له إلى علمه ، وجهل ما يضرّه جهله ، ومنها ما يبعث العلم الزهو والغرور في نفسه ، ومنها أن يتخذ العلم جسراً لخدمة مصالحة الذاتية وخداع الناس .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123301
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي