455
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

لبَرْد الربيع تأثيرٌ في مِزاجِه .

125

الأصْلُ:

۰.عِظَمُ الْخالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الَْمخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ .

الشّرْحُ:

لا نِسبَة للمخلوق إلى الخالق أصْلاً وخصوصا البَشَر . وعلى الجملة فالأمرُ أعظَم من كلّ عظيم ، وأجلُّ من كلّ جليل ، ولا طاقةَ للعُقول والأذْهان أن تعبِّر عن جلالة ذلك الجناب وعَظَمتِه ، بل لو قيل : إنّها لا طاقة لها أن تعبِّر عن جلالِ مَصْنوعاته الأُولَى المتقدِّمة علينا بالرّتبة العقليّة والزمانيّة لكان ذلك القولُ حقّا وصِدْقا ، فَمن هو المخلوق لِيقال : إنَّ عِظَمَ الخالِق يصغّره في العين ! ولكنّ كلامَه عليه السلام محمولٌ على مخاطَبة العامّة الّذين تَضيق أفهامُهمْ عمّا ذكرْناه .

126

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام ، وقد رجع من صفين ، فأَشرف على القبور بظاهر الكوفة:يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ ، وَالمحَالِّ الْمُقْفِرَةِ ، وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ ؛ يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لاَحِقٌ ، أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ ، وَأَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
454

ورَوَى عبدُ اللّه بنُ أنَس عنه صلى الله عليه و آله وسلم أنّهُ قال : «أيّكم يُحِبّ أن يَصِحَّ فلا يَسقَم » ؟ قالوا : كلُّنا يا رسولَ اللّه ، قال : «أتحبّون أن تكونوا كالحُمُر الصائلة ؛ ألا تُحِبّون أن تكونوا أصحابَ بَلايَا وأصحابَ كَفّارات ! والّذي بَعثَني بالحقّ إنّ الرجل لتكونُ له الدّرجة في الجنّة فلا يَبلُغها بشيء من عَمَلِه فيَبتَلِيه اللّهُ ليُبلِّغه اللّه درجةً لا يَبلُغها بعمَله» .
وفي الحديث أيضا : «ما مِن مُسلِم يَمرَض مرضا إلاّ حَتّ اللّه به خَطَاياه كما تَحُتّ الشجرة وَرَقَها» . وجاء في بعض الآثار : «أشدّ الناس حسابا الصحيحُ الفارغ» .
وفي حديث حذيفةَ رضى الله عنه : إنّ أقَرَّ يوم لعيني لَيَوْمٌ لا أجد فيه طعاما ، سمعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله وسلميقول : «إنّ اللّه ليَتعاهَد عبدَه المؤمنَ بالبلاء كما يَتعاهَد الوَالد ولدَه بالطّعام ، وإنّ اللّه يَحمِي عبدَهُ المؤمنَ كما يَحمِي أحدُكم المريض من الطعام» .
جابرُ بنُ عبد اللّه يَرفعه : «يَوَدّ أهل العافِية يومَ القيامة أنّ لحومَهم كانت تُقرَض بالمَقارِيض لما يَرَوْن من ثواب أهلِ البَلاء» .

124

الأصْلُ:

۰.تَوَقَّوُا الْبَرْدَ فِي أَوَّلِهِ ، وَتَلَقَّوْهُ فِي آخِرِهِ ؛ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الْأَشْجَارِ ، أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَآخِرُهُ يُورقُ .

الشّرْحُ:

هذه مسألةٌ طبيعيّة قد ذَكَرها الحكماء ، قالوا : لمّا كان تأثيرُ الخَرِيف في الأبدان ، وتوليدُه الأمْراض كالزُّكام والسُّعال وغيرهما أكثرَ من تأثيرِ الرّبيع ، مع أنّهما جميعا فَصْلا اعتدال ، وأجابوا بأنّ بَرْد الخريف يَفْجأ الانسانَ وهو معتادٌ لحرّالصّيف فينكأ فيه، ويسُدّ مَسامَّ دِماغه؛ لأنّ البرد يَكثُف ويَسُدّ المَسَامّ فيكون كمن دَخَل من موضع شديدِ الحرارة إلى خيش بارد .
فأما المُنتقِل من الشّتاء إلى فَصْل الربيع فإنّه لا يكاد بَرْد الربيع يؤْذِيه ذلك الأذى ؛ لأنّه قد اعتاد جسمُه بردَ الشتاء ، فلا يُصادِف من بَرْد الربيع إلاّ ما قد اعتاد ما هو أكثر منه ، فلا يَظهَر

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123330
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي