459
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

قال عمرُ بنُ عبد العزيز يوما لجلَسائه : أخبرُوني مَنْ أحمَقُ الناس ؟ قالوا : رجلٌ باعَ آخرتَه بدُنْياه ؛ فقال : ألا أُنبئكم بأحمق منه ؟ قالوا : بلى ؛ قال : رجلٌ باعَ آخرته بُدنْيَا غيره .
قلتُ : لقائلٍ أن يقول له : ذاك باعَ آخرته بدُنْياه أيضا ؛ لأنّه لو لم يكن له لذّةٌ في بَيع آخرته بدُنْيا غيره لما باعها ، وإذا كان له في ذلك لذَّة فإذَنْ إنما باع آخرته بدُنْياه ؛ لأنّ دُنْياه هي لذّتهُ .

130

الأصْلُ:

۰.لاَ يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَثٍ : فِي نَكْبَتِهِ ، وَغَيْبَتِهِ ، وَوَفَاتِهِ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم لنا كلامٌ في الصّديق والصّداقة ؛ وأمّا النَّكْبة وحفظ الصديق فيها فإنه يقال : في الحُبوسِ مَقابرُ الأحياء ، وشماتةُ الأعداء ، وتجربةُ الأصدِقاء .
وأمّا الغَيْبَة فإنه قد قال الشاعر :

وإذا الفتَى حَسُنتْ مودّتهُفي القُرْب ضاعَفَها على البُعْدِ
وأمّا الموت فقد قال الشاعر :

وإنّي لأستحييه والتُّربُ بينناكما كنتُ أستحييه وهو يَرانِي
ومن كلام عليّ عليه السلام : «الصديق من صَدَق في غَيْبَتِه» . قيل لحكيم : مَن أبعد الناس سَفَرا؟
قال : من سافر في ابتغاءِ الأخِ الصالح .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
458

أخذَه محمّد بن وَهْب الحِمْيَرِيّ فقال :

ونحن بنُو الدّنيا خُلِقْنا لغيرِهاوما كنتَ منه فهو شيءٌ مُحبَّبُ

128

الأصْلُ:

۰.إِنَّ للّهِ مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ : لِدُوا لِلْمَوْتِ ، وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ ، وَابْنُوا لِلْخَرَابِ .

الشّرْحُ:

هذه اللام عند أهل العربية تسمّى لامَ العاقبة ، ومِثلُ هذا قوله تعالى : «فَالْتَقَطَهُ آلُ فرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا»۱ ، ليس أنّهم التَقَطوه لهذه العلّة ، بل التَقَطوه فكان عاقبةُ التقاطِهم إيّاه العداوةَ والحُزْن .
وأمّا فَحوَى هذا القول وخلاصتُه فهو التّنبيه على أنّ الدنيا دارُ فَناء وعَطَب ، لا دارُ بَقاءٍ وسلامة ، وأنّ الولد يَمُوت ، والدُّور تُخرَّب ، وما يُجمَع من الأموال يَفنَى .

129

الأصْلُ:

۰.الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ ، لاَ دَارُ مَقَرٍّ ، وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلاَنِ : رَجُلٌ بَاعَ فِيهَا نَفْسَهُ فَأَوْبَقَهَا ۲ ، وَرَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَهُ فَأَعْتَقَهَا .

1.سورة القصص ۸ .

2.أي باع نفسه لهواه وشهواته فأوبقها ، أي أهلكها . وابتاع نفسه ، أي اشتراها وخلّصها من أسر الشهوات.

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120849
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي