485
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

قال اللّه تعالى : «وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى»۱ .
وقال سبحانه : «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن»۲ .
وقال بعض الصالحين : ألا إنّهما نَجْدا الخَيْر والشرّ ، فجعل نَجْد الشرّ أحبّ إليكم من نَجْد الخير . قلت : النَّجْد : الطّريق .
واعلم أنّ اللّه تعالى قد نَصَب الأدِلّة ومَكّن المكلّف بما أكمَل له من العقل من الهداية ، فإذا ضلّ فمِنْ قِبَل نفسِه أتى .
وقال بعضُ الحكماء : الّذي لا يَقبَل الحكمةَ هو الّذي ضَلّ عنها ليست هِي الضالّة عنه .

160

الأصْلُ:

۰.عَاتِبْ أَخَاكَ بِالاْءَحْسَانِ إِلَيْهِ ، وَارْدُدْ شَرَّهُ بِالاْءِنْعَامِ عَلَيْهِ .

الشّرْحُ:

الأصل في هذا قولُ اللّه تعالى : «ادْفَعْ بالتي هِيَ أحْسَنُ فإذا الذِي بينَكَ وبينهُ عداوة كأنّه وليٌّ حميم»۳ .
وروى المبرد في «الكامل» عن ابن عائشة ، عن رجل مَن أهل الشام ، قال : دخلتُ المدينة ، فرأيتُ رجلاً راكبا على بغلة لم أر أحسَنَ وَجْها ولا ثَوْبا ولا سَمْتا ولا دابةً منه ، فمال قلبي إليه ، فسألت عنه ، فقيل : هذا الحسنُ بنُ الحسن بن عليّ ، فامتلأ قلبي لهُ بغضا ، وحسدتُ عليّا أن يكون له ابن مثله ، فصرتُ إليه وقلتُ له : أنت ابن أبي طالب ؟ فقال : أنا

1.سورة فصلت ۱۷ .

2.سورة البلد ۱۰ .

3.سورة فصلت ۳۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
484

الشّرْحُ:

أي منذ أُعلِمْتُه ، ويجب أن يُقدَّر هاهنا مفعول محذوف ، أي منذ أُرِيته حقّا ، ويجوز أن يَعنِي بالحقّ اللّهَ سبحانَه وتعالى ، لأنّ الحق من أسمائِه عزّ وجلّ ، فيقول : منذ عرفتُ اللّهَ لم أشُكَّ فيه ، وتكون الرؤية بمعْنَى المَعرِفة ، فلا يحتاج إلى تقدير مَفعولٍ آخَر ؛ وذلك مِثلُ قولِه تعالى : «وآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ»۱ ، أي لا تَعرِفونهم ، اللّهُ يَعرِفهم ، والمراد من هذا الكلام ذكرُ نعمةِ اللّه عليه في أنّه منذ عَرَف اللّه سبحانَه لم يَشُكَّ فيه ، أو منذ عرفَ الحقّ في العَقائد الكلاميّة والأُصوليّة والفِقْهِية لم يشكّ في شيء منها ؛ وهذه مَزيّةٌ له ظاهرة على غيرِه من النّاس ، فإنّ أكثرَهم أو كلَّهم يشكّ في الشيء بعد أن عرفَه وتعتَورِه الشُّبَه والوَساوِس ويُرانُ على قَلْبِه وتَختَلِجُه الشياطين عمّا أدّى إليه نظره .
وقد رُوِي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لمّا بَعَثه إلى اليمين قاضيا ضَرَب على صَدْره وقال : « اللهم اهدِ قلبه ، وثَبِّت لسانَه» ، فكان يقول : «ما شكَكْتُ بعدها في قضاءٍ بين اثنين» .
ورُوِي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لمّا قرأ : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»۲ ، قال : «اللهمّ اجعلها أُذنَ عليٍّ» ، وقيل له : «قد أُجيبتْ دعوَتُك» .

159

الأصْلُ:

۰.وَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ ، وَقَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ .

1.سورة الأنفال ۶۰ .

2.سورة الحاقة ۱۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123279
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي