499
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

186

الأصْلُ:

۰.إِنَّمَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ الْمَنَايَا ، وَنَهْبٌ تُبَادِرُهُ الْمَصَائِبُ ؛ وَمَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقٌ ، وَفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ ، وَلاَ يَنَالُ الْعَبْدُ نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى ، وَلاَ يَسْتَقْبِلُ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ بِفِرَاقِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ ؛ فَنَحْنُ أَعْوَانُ الْمَنُونِ ، وَأَنْفُسُنَا نَصْبُ الْحُتُوفِ ، فَمِنْ أَيْنَ نَرْجُو الْبَقَاءَ ؛ وَهذَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَمْ يَرْفَعَا مِنْ شَيْءٍ شَرَفاً ، إِلاَّ أَسْرَعَا الْكَرَّةَ فِي هَدْمِ مَا بَنَيَا ، وَتَفْرِيقِ مَا جَمَعَا!

الشّرْحُ:

قد سبق ذرءٌ ۱ من هذا الكلام في أثناء خطبته عليه السلام ، وقد ذكرنا نحن أشياءَ كثيرةً في الدنيا وتقلّبها بأهلِها .
قوله : «تنتضل» النَّضْل شيء يرمى ، ويروى : «تَبادره» أي تتبادره ، والغرض : الهدْف . والنّهب : المال المنهوب غنيمة ، وجمعه نِهاب . وقد سبق تفسير قوله : «لا ينال العبد نعمة إلاّ بفراق أُخرى» ، وقلنا : إنّ الّذي حصلت له لذّة الجماع حالَ ما هي حاصلة له ، لابدّ أن يكون مفارقا لذّة الأكل والشرب ، وكذلك من يأكل ويشرب يكون مفارقا حال أكلِه وشربه لذّةَ الرّكْض على الخيل في طلب الصّيد ، ونحو ذلك .
قوله : «فنحن أعوان المنون» ؛ لأنّا نأكل ، ونشرب ، ونجامع ، ونركب الخيل ، والإبل ، ونتصرّف في الحاجات والمآرب ؛ والموت إنما يكون بأحد هذه الأسباب ، إمّا من أخلاط تحدثها المآكل والمشارب ، أو من سقطة يسقط الإنسان من دابّة هو راكبها ، أو من ضعف يلحقه من الجماع المفرِط ، أو لمصادمات واصطكاكات تصيبه عند تصرفه في مآربه وحركته وسعيه ، ونحو ذلك ؛ فكأنّا نحن أعنّا الموت على أنفسنا .
قوله : «نصب الحتوف» ، يروى : بالرفع والنصب ، فمن رفع فهو خبر المبتدأ ، ومن نصبه جعله ظرفا .

1.ذرء : أي طرف . انظر الخطبة ۱۴۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
498

والإثم مهلكة ، فلما اختلفت الجهة وكانت تارة للدنيا وتارة للآخرة لم يكن الكلام عبثا بل كان مفيدا .

185

الأصْلُ:

۰.وَاعَجَبَا أَنْ تَكُونَ الْخِلاَفَةُ بِالصَّحَابَةِ ، ولا تكون بِالصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ .
قال الرضي رحمه الله : وقد روي له عليه السلام شعر قريب من هذا المعنى وهو :

فَإِنْ كُنْتَ بِالشُّورَى مَلَكْتَ أُمُورَهُمْفَكَيْفَ بِهذَا وَالْمُشِيرُونَ غُيَّبُ
وَإِنْ كنْتَ بِالْقُرْبَى حَجَجْتَ خَصِيمَهُمْفَغَيْرُكَ أَوْلَى بِالنَّـبِيِّ وأَقْرَبُ

الشّرْحُ:

حديثه عليه السلام في النثر والنظم المذكورين مع أبي بكر وعمر ، أمّا النثر فإلى عمر توجيهه ؛ لأنّ أبا بكر لما قال لعمر : امدد يدك ، قال له عمر : أنت صاحب رسول اللّه في المواطن كلّها ، شدّتها ورخائها ، فامدد أنت يدك . فقال علي عليه السلام : إذا احتججتَ لاستحقاقه الأمر بصحبته إيّاه في المواطن كلّها ، فهلا سلّمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك ، وزاد عليه «بالقرابة»!
وأمّا النظم فموجّه إلى أبي بكر ؛ لأنّ أبا بكر حاجّ الأنصارَ في السقيفة ، فقال : نحن عِتْرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وبيضته التي تفقّأت عنه ، فلما بويع احتجّ على الناس بالبيعة ، وأنها صدرت على أهل الحلّ والعقْد ، فقال عليّ عليه السلام : أمّا احتجاجك على الأنصار بأنك من بيضة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ومن قومه ، فغيرك أقرب نسبا منك إليه ، وأمّا احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة بك ، فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين لم يحضروا العقد فكيف يثبت!

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123281
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي