505
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْمِهَنِ إِلَى مِهَنِهِمْ ، فَيَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِمْ ، كَرُجُوعِ الْبَنَّاءِ إِلَى بِنَائِهِ ، وَالنَّسَّاجِ إِلَى مَنْسَجِهِ ، وَالْخَبَّازِ إِلَى مَخْبَزِهِ .

الشّرْحُ:

كان الحسن إذا ذَكَر الغَوْغاء وأهل السّوق قال : قتلة الأنبياء ؛ وكان يقال : العامّة كالبحر إذا هاج أهْلَكَ راكبه ؛ وقال بعضهم : لا تسبُّوا الغوْغاء فإنهم يُطْفِئون الحريق ، ويُنقِذون الغريق ، ويسُدّون الْبثوق ۱ .

196

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام وَقَدْ أُتي بجانٍ ۲ ومعه غوغاءُ ، فقال :
لاَ مَرْحَباً بِوُجُوهٍ لاَ تُرَى إِلاَّ عِنْدَ كُلِّ سَوْأَةِ ۳ .

الشّرْحُ:

أخذ هذا اللّفظ المستعينُ باللّه وقد أُدْخِل عليه ابنُ أبي الشَّوارب القاضي ومعه الشّهود ليَشهَدوا عليه أنّه قد خَلَع نفسه من الخلافة وبايَع للمعتزّ باللّه ، فقال : لا مرحباً بهذه الوجوه الّتي لا تُرَى إلاّ يوم سوء .

1.البثوق : الشقوق في الأنهار .

2.الجاني : المذنب .

3.السوأة : الفاحشة ، أو الخلّة ، أو الفعلة القبيحة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
504

الشّرْحُ:

معنى قوله سبحانه : «إنِ الحُكْمُ إلاّ للّهِ»۱ ، أي إذا أراد شيئا من أفعالِ نفسه فلابدّ من وقوعه ، بخلاف غيره من القادرين بالقدرة فإنه لا يجب حصولُ مرادهم إذا أرادوه ، ألا ترى ما قَبْل هذه الكلمة : «يا بَنِيَّ لا تَدْخُلوا من بابٍ واحدٍ وادْخُلوا من أبوابٍ متفرِّقةٍ وماأُغنِي عَنْكم من اللّهِ مِنْ شَيءٍ إن الحُكْمُ إلاّ للّه » خاف عليهم من الإصابة بالعين إذا دخلوا من بابٍ واحد ، فأمرهم أن يدخلوا من أبوابٍ متفرقة ، ثم قال لهم : «وما أُغنِي عنكم من اللّه من شيء» ، أي إذا أراد اللّه بكم سوءا لم يَدفع عنكم ذلك السُّوءَ ما أشرتُ به عليكم من التفرّق ؛ ثم قال : «إن الحُكْم إلاّ للّه » ، أي ليس حيٌّ من الأحياء يَنْفُذُ حكمه لا محالة ومرادُه لما هو من أفعاله إلاّ الحيّ القديم وحدَه ، فهذا هو معنى هذه الكلمة ، وضَلّت الخوارج عندها فأنكروا على أمير المؤمنين عليه السلام موافَقَته على التحكيم ؛ وقالوا : كيف يحكم وقد قال اللّه سبحانه : «إن الحُكْمُ إلاّ للّه » فغَلطوا لموضع اللّفظ المشترك ، وليس هذا الحُكم هو ذلك الحكْم ، فإذَنْ هي كلمةُ حقٍّ يرادُ بها باطل ؛ لأنّها حقٌّ على المفهوم الأوّل ، ويريد بها الخوارجُ نفيَ كلِّ ما يسمّى حكماً إذا صَدر عن غير اللّه تعالى ، وذلك باطل ؛ لأنّ اللّه تعالى قد أمضَى حُكم المخلوقين في كثيرٍ من الشرائع .

195

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام في صفة الْغوغاء ۲ : هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا ، وَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا .
وقيل : بل قال عليه السلام : هُمُ الّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا ضَرُّوا ، وَإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا .
فقيل : قد عرفنا مضرة اجتماعهم ، فما منفعة افتراقهم؟ فقال عليه السلام :

1.سورة يوسف ۶۷ .

2.( الغوغاء ) وهم الناس المنحطّون ، والأوباش يجتمعون على غير ترتيب ، وهم يغلبون على ما اجتمعوا عليه ، ولكنّهم إذا تفرّقوا لا يعرفهم أحد لانحطاط درجة كل منهم وخمول ذكرهم ، وخفوت صوتهم .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120891
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي