541
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

النطفة الّتي هي ولدٌ بالقوّة بإتلاف الولد بالفعل .
وأُوجبتْ الشهاداتُ على الحقوق استظهارا على المجاحَدات ؛ قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «لو أعُطِيَ الناسُ بدعاوِيهم لاسْتَحَّل قومٌ من قوم دماءَهم وأموالهم » .
ووَجَب تركُ الكَذِب تشريفا للصِّدق ، وذلك لأنّ مصلحة العامة إنما تتمّ وتنتظم بالصِّدق ، فإنّ الناس يَبنُون أكثرَ أُمورهم في معاملاتهم على الأخبار ، فإنّها أعمّ من العِيان والمُشاهَدة ، فإذا لم تكن صادقةً وقع الخطأ في التدبيرات ، وفَسَدتْ أحوالُ الخَلْق .
وشُرِع رَدُّ السلام أماناً من المخاوِف ، لأنّ تفسير قولِ القائل : «سلامٌ عليكم » ، أي لا حَرْبَ بيني وبينكم ، بل بيني وبينكم السلام ، وهو الصلح .
وفُرِضت الإمامة نظاماً للأمّة ؛ وذلك لأنّ الخَلْق لاَ يرتفع الهرْج والعَسْف والظّلم والغَضَب والسّرقة عنهم إلا بوازِعٍ قويٍّ ، وليس يَكْفِي في امتناعهم قُبح القبيح ، ولا وعيدُ الآخرة ، بل لابدّ لهم من سلطان قاهر ينظّم مصالحهم ، فيَردَع ظالمَهم ، ويأخذ على أيدي سُفَهائهم .
وفُرِضت الطّاعة تعظيما للإمامة ، وذلك لأنّ أمْرَ الإمامة لا يتم إلاّ بطاعة الرّعيّة ، وإلاّ فلو عَصَت الرعيّة إمامَها لم ينتفعوا بإمامتِه ورئاستِه عليهم .

250

الأصْلُ:

۰.وكان عليه السلام يقول :أَحْلِفُوا الظَّالِمَ - إِذَا أَرَدْتُمْ يَمِينَهُ - بِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ حَوْلِ اللّهِ وَقُوَّتِهِ ، فَإِنَّهُ إِذَا حَلَفَ بَهَا كَاذِباً عُوجِلَ ، وَإِذَا حَلَفَ بِاللّهِ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ ، لِأَنَّهُ قَدْ وَحَّدَ اللّهَ تَعَالَى ۱ .

1.هذه اليمين يسميها الفقهاء يمين البراءة من اللّه سبحانه أو من رسوله صلى الله عليه و آله وسلم . وهي لا تنعقد ولا تجب بها كفّارة . ويأثم صاحبها وإن كان صادقا . وقيل تجب بها كفارة ظهار . ( شرائع الإسلام للمحقق الحلي ) . وقال صاحب الجواهر في باب الأيمان : ( ولكن قد يستفاد الجواز من قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة : أحلفوا الظالم ... الخ . وروي أن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أحلف بيمين البراءة من وشي به عند المنصور . ولكني لم أجد من أفتى بذلك من الفقهاء ، نعم في كتاب الوسائل باب جواز استحلاف الظالم بالبراءة وظاهره الفتوى به . وظاهره يقتضي الترك إلاّ في مهدور الدم ) . وقد يراد بالظالم ـ هنا ـ من يجوز قتله لسبب أو لآخر . وقد أحلف الإمام الصادق عليه السلام ـ بهذه اليمين ـ رجلاً ادعى عليه كذبا وزورا أمام المنصور ، فما أتمّ الحالف يمينه حتى أصيب بالفالج وجرّ برجله من المجلس ثم مات . كما أحلف يحيى بن عبد اللّه بن الحسن ، عبد اللّه بن مصعب الزبيري أمام الرشيد ، فأصابه الجذام من ساعته ومات بعد ثلاث ، فقبر فانخسف به قبره .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
540

وفُرِض الأمْر بالمعروف مصلحةً للعوام ، لأنّ الأمر بالعدل والإنصاف وردِّ الودائع ، وأداءِ الأمانات إلى أهلها ، وقضاء الديون ، والصِّدق في القول ، وإيجاز الوعد ، وغير ذلك من محاسن الأخلاق ، مصلحة للبَشَر عظيمة لا محالة . وفُرِض النهيُ عن المنكَر رَدْعا للسّفهاء ، كالنّهي عن الظلم والكَذِب والسَّفَه ، وما يَجري مَجرَى ذلك .
وفُرِضت صِلَة الرَّحِمِ مَنْماةَ للعَدَد ، قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «صلة الرَّحم تَزيد في العمر ، وتُنَمِّي العَدَد » .
وفُرِض القِصاصُ حَقْنا للدِّماء ، قال سبحانه : «ولَكُمْ في القِصَاص حَيَاةٌ يا أولي الألبابِ»۱ .
وفُرِضت إقامة الحدود إعظاما للمحارم ، وذلك لأنّه إذا أقيمت الحدودُ امتنع كثيرٌ من الناس عن المعاصي التي تجبُ الحدُودُ فيها ، وظهر عظم تلك المعاصِي عند العامّة فكانوا إلى تركها أقرب .
وحُرِّم شربُ الخمْر تحصيناً للعقل ، قال قوم لحكيم : اشرَبْ اللّيلة معنَا ، فقال : أنا لا أشرَب ما يَشْرَب عَقْلي ؛ ثم قال عليه السلام : «الخمرُ جماعُ الإثم ، الخمر أمُّ المعاصي» .
وحُرِّمت السَّرِقة إيجابا للعفّة ، وذلك لأنّ العفّة خُلُقٌ شريف ، والطمعُ خُلُق دنيءٌ ، فحرمت السّرقة ليتمرَّن الناسُ على ذلك الخُلقِ الشريف ، ويجانبوا ذلك الخُلُقَ الذميمَ ، وأيضا حُرِّمت لما في تحريمها من تحصين أموال الناس .
وَحرِّم الزنا تحصينا للنَّسَب ، فإنّه يُفضِي إلى اختلاط المِياه واشتباهِ الأنساب ، وألاّ يُنسَب أحدٌ بتقدير ألاَّ يشرَع النكاح إلى أب ، بل يكون نَسبُ الناس إلى أمَّهاتهم ، وفي ذلك قلبُ الحقيقة ، وعكسُ الواجب ، لأنّ الولد مخلوقٌ من ماء الأب ، وإنّما الأمّ وعاء وظَرْف .
وحُرِّم اللِّواط تكثيرا للنَّسل ، وذلك اللّواط بتقدير استفاضتِه بين الناس والاستغناء به عن النِّساء يُفضِي إلى انقطاعِ النّسل والذّرّية ، وذلك خلاف ما يريد اللّه تعالى من بقاء هذا النوع الشّريف الَّذي ليس في الأنواع مِثله في الشّرف ، لمكان النفس الناطقة الّتي هي نسخةٌ ومِثالٌ للحَضْرة الإلهية ، ولذلك سَمَّت الحكماءُ الإنسانَ العالَمَ الصغير .
وحُرِّم الاستمناء باليد وإتيان البهائِم للمعنى الّذي لأجلِه حُرِّم اللِّواط ، وهو تقليل النَّسْل ؛ ومن مستحسَن الكلمات النبويّة قولُه عليه السلام فِي الاستمناء باليد : «ذلك الوَأد الخَفيّ» ، لأنّ الجاهليّة كانت تَئِد البناتِ أي تَقتُلُهنّ خَنْقاً ، وقد قدّمنا ذكرَ سبب ذلك ، فشبَّه عليه السلام إتلاف

1.سورة البقرة ۱۷۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123417
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي