545
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

قد تقدّم القولُ في الصّدقة .
وقالت الحكماء : أفضل العِبادات الصَّدَقة لأنّ نفعها يتعدّى ، ونفْعُ الصلاة والصّوم لا يتعدّى . وجاء في الأثرأنّ عليّا عليه السلام عَمِل ليهوديٍّ في سَقي نَخْلٍ له في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمبمُدٍّ من شَعير ، فخبزه قُرْصاً ، فلمّا همّ أن يُفطر عليه ، أتاه سائل يستطعم ، فدفعه إليه وبات طاويا وتاجِراً اللّه تعالى بتلْك الصدقة ، فعَدّ الناس هذه الفعلة من أعظم السّخاء ، وعدوُّها أيضا من أعظم العبادة .
وقال بعضُ شعراء الشِّيعة يذكر إعادة الشمس عليه وأحسن فيما قال :

جادَ بالقُرْص والطَّوَى مِل ءُ جَنْبَيــهِ ، وعافَ الطَّعامَ وهو سَغُوبُ
فأعاد القُرْصُ المنيرُ عليه الــقُرْصَ والمُقرِض الكِرامَ كَسوبُ۱.

1.وقد نظم ابن أبي الحديد نفسه هذا المعنى في بيت من قصيدته الغراء (فتح مكّة) : إمامُ هدىً بالقرْصِ آثر فاقتضىله القرصُ ردَّ القرصِ أبيض أزهرا القرص الأوّل قرص الشعير ، والقرص الأخير قرص الشمس ، وإيثاره بالقرص ـ ليس كما ذكر ابن أبي الحديد في هذه القصّة واضحة التلفيق ـ إنّما كان لنذر نذره عند مرض الحسن والحسين عليهماالسلاموالقصّة مشهورة ، نطقت بها سورة (هل أتى) ، وأنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام . أورده الحسكاني في الشواهد برقم (۱۰۵۷) بطريق المرزباني ـ والأحاديث في هذا الموضوع متواترة من الطرفين . [انظر : تفسير الحبري الكوفي ص۵۳۶ ]وكذلك قضية ردّ الشمس له مرتين ، مرة في المدينة ومرة بالعراق . وقد رويت عن عدة من الصحابة ، كالإمام الحسين عليه السلام في كتاب الذرية الطاهرة ۲۸ ب . وجابر الأنصاري ، في مناقب الخوارزمي ص۲۳۶ ، وأبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في مناقب المغازلي ص۹۸ . وأسماء بنت عميس ، في تاريخ دمشق ۱:۲۸۳ ـ ۳۰۶ ط ۲ . وغيرهم كثير . كما أفرد لها رسالة كثيرون ، كالحافظ ابن مردويه كما في عبقات الأنوار ، والحافظ الحسكاني ، وذكرها : ابن شهر آشوب في معالم العلماء ۱۱۷ . ومناقب آل أبي طالب ۱۴۳ ، والإرشاد للمفيد ۱:۳۴۶ وعيون المعجزات ، لحسين بن عبد الوهاب ۱۳۶ وغيرهم . وقد ذكرها ابن أبي الحديد كذلك في عينيته العصماء في مدح أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيها : يا من لهُ رُدّت ذكاء ولم يَفُزْبنظيرها من قبلُ إلاّ يوشعُ وذكاء اسم من أسماء الشمس . ويوشع هو يوشع بن نون بعثه اللّه نبيّاً بعد موسى عليه السلام ، وقد ردّت إليه الشمس بعد معركته مع الجبارين آخر النهار ، [شرح القصائد العلويات السبع ، لابن أبي الحديد ] .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
544

غَرِيبَةُ الاْءِبلِ ۱ .

الشّرْحُ:

قال عمرو بنُ العاصِ لمعاوية : ما بقيَ من لذّتك ؟ فقال : ما من شيء يُصيبُه الناس من اللّذّة إلاّ وقد أصبتُه حتى مَللتُه ، فليس شيءٌ عندي اليوم ألذّ من شربةِ ماءٍ بارد في يومٍ صائف ، ونظري إلى بَنِيَّ وبناتي يَدرُجون حولي ؛ فما بقيَ من لذّتك أنت ؟ فقال : أرضٌ أغرسُها وآكُلُ ثمرتها ، لم يبق لي لذّة غير ذلك . فالتفت معاويةُ إلى وَرْدان غلام عَمْرو ، فقال : فما بقي من لذّتك يا وُريْد ؟ فقال : سرورٌ أُدخِله قلوب الإخوان ، وصنائعُ أعتقِدُها في أعناق الكرام ؛ فقال معاوية لعَمْرو : تَبّا لمجلسي ومجلسك! لقد غلبني وغلبك هذا العبد ، ثم قال : يا وَرْدان ، أنا أحقُّ بهذا منك ؛ قال : قد أمكنتك فافعَلْ .
فإن قلت : السرور عَرَضٌ ، فكيف يَخلُق اللّه تعالى منه لُطْفا؟
قلت : ( مِنْ ) هاهنا هي مِثلُ «مِن» في قوله : «وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلاَئِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُون»۲ ، أي عِوَضاً منكم .

255

الأصْلُ:

۰.إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اللّهَ بِالصَّدَقَةِ ۳ .

1.يروحوا : من الرواح ، وهو السير بعد الظُّهر ، ويستعمل في مطلق الذهاب والمضي . المكارم : المحاسن والفضائل . يدلجوا : من الإدلاج ، وهو السير في أول الليل . والمعنى : أوصِ أهلك أن يواصلوا أعمال الخير ، فرواحهم في الإحسان وإدلاجهم في قضاء الحوائج ، وإن نام عنها أربابها . غريبة الإبل : وهي الناقة تدخل مرعىً لغير صاحبها فيطردها منه . وقيل هذه استعارةٌ ، والمراد : من أعان أخاه المسلم عند اضطراره ، دفع اللّه عنه البلاءَ عند اضطراره ورزقه من حيث لا يحتسب .

2.سورة الزخرف ۶۰ .

3.أملقتم : افتقرتم . فتجاروا اللّه : أي عاملوه كما يتعامل أهل التجارة ؛ يخرج أحدهم ماله إلى صاحبه ليربح في عوضه ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : « وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه » سورة البقرة ۲۶۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123266
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي