571
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

ثم سُئلَ ثانيا فقال : بَحْرٌ عَمِيقٌ فَلاَ تَلِجُوهُ ؛ ثم سُئِلَ ثالثا فقالَ سِرُّ اللّهِ فَـلاَ تَتَكَلَّفُوهُ ۱ .

الشّرْحُ:

قد جاء في الخبر المرفوع : «القَدَرُ سِرّ اللّه في الأرض» ، ورُوِي : «سر اللّه في عباده » ، والمرادُ نهيُ المستضعفين عن الخوْض في إرادة الكائنات ، وفي خلق أعمال العباد ، فإنّه ربّما أفضى بهم القول بالجبْر ، لما في ذلك من الغُموض ، وذلك أنّ العامّيَّ إذا سَمِع قولَ القائل : كيف يجوز أن يَقَع في عالَمِه ما يكرَهه ؟ وكيف يجوز أن تَغلِب إرادة المخْلوق إرادةَ الخالق؟
ويقول أيضا : إذا عَلِم في القدم أنّ زيدا يَكْفُر ، فكيف لزيدٍ أن لا يَكْفُر ؟ وهل يُمكن أن يقع خلافُ ما عَلِمه اللّه تعالى في القِدَم ؟ اشتبه عليه الأمر ، وصار شُبهةً في نفسِه ، وقوِيَ في ظنّه مذهبُ المجبِّرة ، فَنهَى عليه السلام هؤلاء عن الخوْض في هذا النّحو من البَحْث ، ولم ينْه غيرَهم من ذوي العقول الكاملة ، والرياضة القويّة ، والملكة التامّة ، ومن له قدرةٌ على حَلِّ الشُّبَه ، والتفصِّي عن المشكلاتِ .

294

الأصْلُ:

۰.إِذَا أَرْذَلَ اللّهُ عَبْداً حَظَرَ عَلَيْهِ الْعِلْمَ .

الشّرْحُ:

أرذَلَه : جعله رَذْلاً ، وكان يقال : مِنْ علامةِ بُغض اللّهِ تعالى للعبد أن يُبغِّض إليه العِلْم .

1.قد حمل بعضهم كلام الإمام عليه السلام على النهي عن الخوض في خصوصيات حكمة اللّه في قضائه وأقواله وأفعاله ، وإنما المطلوب من العبد أن يعلم أن للّه في كل قضاء وكلّ قول وكلّ فعل حكمة ، ومصلحة خفيت أو ظهرت خصوصيتها .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
570

الشّرْحُ:

قال اللّه سبحانه : «حتّى إذا جاء أحدَهم الموتُ قال ربّ ارجعون * لعلِّي أعملُ صالحا فيما تركتُ كَلاّ إنّها كلمةٌ هو قائلُها ومن ورائهمْ بَرزخ إلى يوم يُبعَثون»۱ .
فهذا هو سؤال الإنظار لمن عُوجِل ، فأمّا من أُجِّل فإنه يعلِّل نفسَهُ بالتسويف ، ويقول : سوفَ أتوبُ ، سَوْف أُقلِع عمّا أنا عليه ، فأكثرُهم يُختَرم من غير أن يَبلُغ هذا الأمل ، وتأتيه المنيّة وهو على أقبَح حال وأسوئها ، ومنهم من تشمَله السّعادة فيتوب قبل الموت ، وأولئك الذين خُتِمت أعمالُهم بخاتِمة الخير ، وهم في العالَم كالشَّعرة البيضاءِ في الثّور الأسوَد .

292

الأصْلُ:

۰.مَا قَالَ النَّاسُ لِشَيْءٍ : طُوبَى لَهُ ! إِلاَّ وَقَدْ خَبَأَ لَهُ الدَّهْرُ يَوْمَ سَوْءٍ ۲ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم هذا المعنى ، وذكَرْنا فيه نُكَتا جيّدة حميدة .

293

الأصْلُ:

۰.وقالَ عليه السلام وقد سُئِلَ عن القَدَرِ : طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَـلاَ تَسْلُكُوهُ .

1.سورة المؤمنين ۹۹ ، ۱۰۰ .

2.طوبى : سعادة وخير وهناء ، وطوبى له : هنيئا له . خبأ : أخفى .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123268
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي