579
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

هذا مثل قوله عليه السلام في موضع آخر : «الغالب بالشرّ مغلوب» ۱ .
وكان يقال : ما تسابّ اثنان إلاّ غلبَ ألأمُهما . وقد نهى العلماء عن الجدل والخصومة في الكلام والفقه ؛ وقالوا : إنهما مظنّة المباهاة وطلب الرئاسة والغلبة ، والمجادل يكره أن يقهرَه خصمُه ؛ فلا يستطيع أن يتّقي اللّه . وهذا هو كلام أمير المؤمنين عليه السلام بعينه .
وأمّا الخصومة في غير العلم ، كمنازعة الناس بعضِهم بعضا في أُمورهم الدنياوية ، فقد جاء في ذمّها والنهي عنها شيء كثير .

305

الأصْلُ:

۰.مَا أَهَمَّنِي ذَنْبٌ أُمْهلْتُ بَعْدَهُ حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَسْأَلَ اللّهَ الْعَافِيَةَ .

الشّرْحُ:

هذا فتحٌ لباب التوبة وتطريق إلى طريقها ، وتعليم للنهضة إليها والاهتمام بها ، ومعنى الكلام أنّ الذَّنب الذي لا يعاجَل الإنسانُ عقيبَه بالموت ينبغي للإنسان ألاّ يهتم به ، أي لا ينقطع رجاؤه عن العفو وتأميله الغفران ، وذلك بأن يقوم إلى الصلاة عاجلاً ، ويستغفر اللّه ، ويندم ويعزم على ترك المعاودة ، ويسأل اللّه العافية من الذنوب والعصمة من المعاصي ، والعون على الطاعة ، فإنه إذا فعل ذلك بنيّة صحيحة واستوفى شرائط التوبة سقط عنه عقابُ ذلك الذنب . وفي هذا الكلام تحذيرٌ عظيم من مواقعة الذنوب ؛ لأنّه إذا كان هذا هو محصول الكلام ، فكأنّه قد قال : الحذَرَ الحذَرَ من الموت المفاجئ قبل التوبة .

1.عيون الحكم والمواعظ / الليثي الواسطي : ص۴۴ ، غرر الحكم : ص۱۰۸۵ . ويأتي في الحكمة رقم (۳۳۳) .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
578

لأنّه يبدأ بقتل نفسه وإن كان يضرّ عدوّه أولاً ، يحصل في ضمن إضراره بعدوّه إضراره بنفسه ، فليس يكون مثالُ أمير المؤمنين عليه السلام منطبقا على ذلك ، ولكن يكون كقولي في غزلٍ من قصيدةٍ لي :

إن تَرْمِ قلبي تُصْمِ نفسَك إنّهلكَ موطنٌ تأوِي إليه ومَنزلُ

303

الأصْلُ:

۰.مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ وَأَقَلَّ الاْعتِبَارَ!

الشّرْحُ:

ما أوجز هذه الكلمة وما أعظم فائدتها ! ولا ريب أنْ العبَر كثيرة جدّا ، بل كلّ شيء في الوجود ففيه عِبْرةٌ ، ولا ريب أن المعتبِرين بها قليلون ، وأنّ الناس قد غلب عليهم الجهل والهوى ، وأرداهم حبُّ الدنيا ، وأسكرهم خَمرُها ؛ وإنّ اليقين في الأصل ضعيف عندهم ، ولولا ضعفه لكانتْ أحوالهم غيرَ هذه الأحوال .

304

الأصْلُ:

۰.مَنْ بَالَغَ فِي الْخُصُومَةِ أَثِمَ ، وَمَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اللّهَ مَنْ خَاصَمَ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120886
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي