فَالوَيْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ ، وَجَحَدَ الْمُدَبِّرَ ! زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ ، وَلاَ
لاِخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ ؛ وَلمْ يَلْجَؤُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيمَا ادَّعَوا ، وَلاَ تَحْقِيقٍ لِمَا أَدْعَوْا ، وَهَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بِانٍ ، أَوْ جِنَايَةٌ مِنْ غَيْرِ جَانٍ !
الشّرْحُ:
مدخولة : معيبة . وفَلَق : شقَّ وخلق . والبَشَر : ظاهر الجلد .
قوله عليه السلام : «وصُبّت على رزقها» ، قيل : هو على العكس ، أي وصبّ رزقُها عليها ، والكلام صحيح ولا حاجة فيه إلى هذا ، والمراد : كيف همّت حتى انصبّت على رزقها انصبابا ؛ أي انحطت عليه . ويروى : «وضنّت على رزقها» بالضاد المعجمة والنون ، أي بخلت . وجُحْرها : بيتها . «وفي وِرْدِها لصَدَرها» ، أي تجمع في أيام التمكّن من الحركة لأيام العجز عنها ، وذلك لأنّ النمل يظهر صيفا ويخفى في شدّة الشتاء لعجزه عن ملاقاة البرد .
قوله عليه السلام : «رزْقُها وفْقها» أي بقدر كفايتها ، ويروى «مكفول برزقها مرزوقة بوفقها » . والمنّان ؛ من أسماء اللّه تعالى العائد إلى صفاته الفعلية ، أي هو كثير المنّ والإنعام على عباده . والديّان : المجازي للعباد على أفعالهم ، قال تعالى : «أإنَّا لمَدِينُونَ»۱ أي مجزيّون . والحجَر الجامس : الجامد . والشراسيف : أطراف الأضلاع المشرفة على البطن .
فأما الحكماء ، فإنهم لا يثبتون للنّمل شَراسيف ولا أضلاعا ، ويجب إن صحّ قولهم أن يحمَل كلامُ أمير المؤمنين عليه السلام عَلَى اعتقاد الجمهور ومخاطبة العرب بما تتخيّله وتتوهّمه حقّا ، وكذلك لا يثبت الحكماء للنّمل آذاناً بارزة عن سطوح رؤوسها ، ويجب إنْ صحّ ذلك أن نحمل كلام أمير المؤمنين عليه السلام عَلَى قوّة الإحساس بالأصوات ، فإنه لا يمكن الحكماءإنكار وجود هذه القوّة للنمل .
قوله عليه السلام : «ولو ضربت فيمذاهب فكرك لتبلغ غاياته» ، أي غايات فكرك . وضربت بمعنى سرت . والمذاهب : الطرق ، قال تعالى : «وَإذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ »۲ ، وهذا الكلام استعارة.