623
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

يَا جَابِرُ ، مَنْ كَثُرَتْ نِعَمةُ اللّهِ عَلَيْهِ ، كَثُرَتْ حَوَائِجُ النَّاس إِلَيْهِ ، فَمَنْ قَامَ بِمَا يَجِبُ للّه فِيهَا عَرَّضَ نِعمَةَ اللّهِ لِدَوَامِهَا ، وَمَنْ ضَيَّعَ مَا يَجِبُ للّهِِ فِيها عَرَّضَ نِعْمَتَهُ لِزَوَالِها .

الشّرْحُ:

قد تقدّم القولُ في هذه المعاني . والحاصل أنّه رَبط اثنتين من أربعة إحداهما بالأخرى ، وكذلك جعل في الاثنتين الآخرتين ، فقال : إنّ قوام الدِّين والدنيا بأربعة : عالمٍ يستعمل علمَه ، يعني يَعمَل ولا يقتصِر على أن يعلم فقط ولا يَعمَل ، وجاهل لا يستنكِف أن يتعلّم ، وأضرُّ ما على الجهلاء الاستنكاف من التعلّم ؛ فإنهم يستمرّون على الجهالة إلى الموت ، والثالث جَواد لا يَبخل بالمعروف ، والرابع فقير لا يبيع آخرته بدنياه ، أي لا يَسرق ، ولا يَقطع الطّريق ، أو يكتسب الرزق من حيث لا يحبّه اللّه ، كالقِمار ، والمواخير ، والمزاجر ، والمآصر ، ونحوها .
ثم قال : فالثانية مرتبطة بالأُولى إذا لم يستعمل العالم علمَه استنكف الجاهلُ من التّعلم ، وذلك لأنّ الجاهل إذا رأى العالم يعصي ويجاهِر اللّه بالفسق زهِد في التعلّم ؛ وقال : لماذا تعلُّمُ العلم إذا كانتْ ثمرته الفسق والمعصية .
ثم قال : والرابعة مرتبطة بالثالثة ، إذا بخل الغَنيّ بمعروفه ، باع الفقيرُ آخرته بدنياه ، وذلك لأنّه إذا عدم الفقير المواساة مع حاجته إلى القُوت دعتْه الضّرورة إلى الدخول في الحرام ، والاكتساب من حيث لا يحسنُ ، ويَنبغي أن يكون عوض لفظة جواد لفظة غنيّ ليطابق أوّل الكلام آخره ، إلاّ أنّ الرواية هكذا وردتْ ، وجواد لا يبخل بمعروفهِ ، وفي ضمير اللّفظ كون ذلك الجواد غنيّا لأنّه قد جعل له معروفا والمعروف لا يكون إلاّ عن ظهر غِنىً ؛ وباقي الفصل قد سبق شرحُ أمثاله .

379

الأصْلُ:

۰.وروى ابن جرير الطبري في تاريخه ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه - وكان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الأشعث - أنه قال فيما كان يحضّ به الناس على الجهاد : إني سمعت علياً رفع اللّه درجته في الصالحين ، وأثابه ثواب الشهداء وَالصدّيقين ، يقول يوم لقينا أهل الشام :


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
622

377

الأصْلُ:

۰.لاَ شَرَفَ أَعْلَى مِنَ الاْءِسْلاَمِ ، وَلاَ عِزَّ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَى ، وَلاَ مَعْقِلَ أَحْسَنُ مِنَ الْوَرَعِ ، وَلاَ شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ ، وَلاَ كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَةِ ، وَلاَ مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ الرِّضَى بِالْقُوتِ . وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ ، وَتَبَوَّأَ خَفْضَ الدَّعَةِ . وَالرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ النَّصَبِ ، وَمَطِيَّةُ التَّعَبِ ، وَالْحِرْصُ وَالْكِبْرُ وَالْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ ، وَالشَّرُّ جَامِعٌ لِمَساوي الْعُيُوبِ ۱ .

الشّرْحُ:

كلّ هذه المعاني قد سبق القولُ فيها مرارا شتَّى ؛ نأتي كلّ مرّة بما لم نأت به فيما تقدّم ، وإنّما يكرّرها أميرُ المؤمنين عليه السلام لإقامة الحجّة على المكلّفين ، كما يكرّر اللّهُ سبحانه في القرآن المواعظَ والزواجر .

378

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام : لجابر بن عبد اللّه الأَنصاريّ :
يَا جَابِرُ ، قِوَامُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ : عَالِمٍ يَسْتَعْمِلُ عِلْمَهُ ، وَجَاهِلٍ لاَ يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ ، وَجَوَادٍ لاَ يَبخَلُ بِمَعْرُوفِهِ ، وَفَقِيرٍ لاَ يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ ؛ فَإِذَا ضَيَّعَ الْعَالِمُ عِلْمَهُ اسْتَنْكَفَ الْجَاهِلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ ، وَإِذا بَخِلَ الْغَنِيُّ بِمَعْرُوفِهِ بَاعَ الْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ .

1.المعقل : الملجأ . الفاقة : الحاجة . البلغة : ما يتبلّغ به الإنسان ، أي يكفيه الكفاف قدر الحاجة . انتظم الراحة : ظفر بالراحة . الخفض : السعة . الرغبة : الطمع . النصب : التعب . التقحم : الدخول بقوة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120835
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي