65
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

حَمَامٌ وَهذَا نَعَامٌ ؛ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بَاسْمِهِ ، وَكَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ .
وَأَنْشَأَ السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا ، وَعَدَّدَ قِسَمَهَا ؛ فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا ، وَأَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا ۱ .

الشّرْحُ:

قوله : «وأسْرَج لها حَدقتين» ، أي جعلهما مضيئتين كما يضيء السراج ، ويقال : حدقة قمراء أي منيرة ، كما يقال : ليلة قمراء أي نيّرة بضوء القمر . و «بهما تَقْرِض» أي تَقطَع ، والراء مكسورة . والمِنْجلان : رجلاها ؛ شبّههما بالمناجل لعوجهما وخشونتهما . ويَرْهبها : يخافها . ونزواتها : وثباتها . والجدْب : المحل .

232

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلام في التوحيد
وتجمع هذه الخطبة من أُصول العلم ما لا تجمعه خطبة غيرها :
مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ ، وَلاَ حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ ، وَلاَ إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ ، وَلاَ صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَتَوَهَّمَهُ . كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ ، وَكُلُّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ .
فَاعِلٌ لاَ بِاضْطِرَابِ آلَةٍ ، مُقَدِّرٌ لاَ بِجَوْلِ فِكْرَةٍ ، غَنِيٌّ لاَ بِاسْتِفَادَةٍ . لاَ تَصْحَبُهُ الْأَوْقَاتُ ، وَلاَ تَرْفِدُهُ الْأَدَوَاتُ ؛ سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ ، وَالْعَدَمَ وُجُودُهُ ، وَالاِبْتِدَاءَ أَوَّلُهُ .

1.الجرادة : دويبة من مستقيمات الأجنحة أنواعها عديدة . الحدقة : سواد العين . النابين : مفردة ناب : وهو من الأسنان خلف الرباعية . منجلين : مفردها منجل : حديدة ملتوية يجتث بها الزرع . الذبّ : الدفع . أجلبوا : أجمعوا . أُرسى : أثبت . الندى : مقابل اليبس . الهطل : تتابع المطر . الجدوب : المحْل .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
64

قال : لو أمعنتَ النّظرَ لعلمتَ أنّ خالق النملة الحقيرَة هو خالق النّخلة الطويلة ؛ لأنّ كلّ
شيء من الأشياء تفصيل جسمه وهيئته تفصيل دقيق ، واختلاف تلك الأجسام في أشكالها وألوانها ومقاديرها اختلافٌ غامض السبب ، فلا بدّ للكلّ من مدبّر يحكم بذلك الاختلاف ويفعله ، على حسب ما يعلمه من المصلحة .
ثم قال : وما الجليل والدقيق في خلْقه إلاّ سواء ! لأنّه تعالى قادر لذاته ، لا يعجزه شيء من الممكنات . ثم قال : «فانظر إلى الشمس والقمر» إلى قوله : «والألسن المختلفات» ، هذا هو الاستدلال بإمكان الأعراض على ثبوت الصانع .
ثم سفّه آراء المعطِّلة ، وقال : «إنهم لم يعتصموا بحجّة ، ولم يحقِّقوا ما وعوْه» ، أي لم يرتّبوا العلوم الضروريّة ترتيبا صحيحا يفضي بهم إلى النتيجة الّتي هي حقّ . ثم أخذ في الردّ عليهم من طريق أُخرى ، وهي دعوى الضَّرُورة ، وقد اعتمد عليها كثيرٌ من المتكلّمين ، فقال : نعلم ضرورة أنّ البناء لابدّ له من بانٍ . ثم قال : «والجناية لابدّ لها من جانٍ» ، وهذه كلمة ساقتْه إليها القرينة ، والمراد عموم الفعليّة لا خصوص الجناية ، أي مستحيل أن يكون الفعلُ من غير فاعل .

الأصْلُ:

۰.وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْجَرَادَةِ ، إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ ، وَأَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ ، وَجَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِيَّ ، وَفَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِيَّ ، وَجَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِيَّ ، وَنَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ ، وَمِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ . يَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهِمْ ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ذَ بَّهَا وَلَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ ، حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا ، وَتَقْضِيَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا . وَخَلْـقُهَا كُلُّهُ لاَ يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً .
فَتَبَارَكَ اللّهُ الَّذِي يَسْجُدُ لَهُ «مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً» ، وَيُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَوَجْهاً ، وَيُلْقِى إِلَيْهِ بِالْطَّاعَةِ سِلْماً وَضَعْفاً ، وَيُعْطِى لَهُ الْقِيَادَ رَهْبَةً وَخَوْفاً !
فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ ؛ أَحْصَى عَدَدَ الرِّيشِ مِنْهَا وَالنَّفَسَ ، وَأَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى النَّدَى وَالْيَبَسِ ؛ وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا ، وَأَحْصَى أَجْنَاسَهَا ؛ فَهذَا غُرَابٌ وَهذَا عُقَابٌ ، وَهذَا

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120955
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي