651
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

لصاحب الاستغفار دَرَجة العليِّين . وهو هاهنا جمعٌ على «فِعِّيل» كضِلِّيل وخِمّير ، تقول : هذا رجلٌ عليٌّ ؛ أي كثيرُ العلُوّ ، ومنه العلّية للغُرْفة على إحدى اللّغتين .
قوله : «نَبَت على السُّحْت» ، أي على الحرام ؛ يقال : سُحْت بالتسكين ، وسُحُت بالضمّ ، وأسحَت الرجُل في تجارتِه ؛ أي اكتَسَب السُّحْت .
أما ماهيّة التوبة فهي النّدم والعَزْم ، لأنّ التوبة هي الإنابة والرّجوع ، وليس يمكن أن يرجع الإنسانُ عمّا فعله إلاّ بالنّدم عليه ، والعزم على تَرْك معاودته ، وما يتوب الإنسان منه ؛ إمّا أن يكون فعلاً قبيحا ، وإمّا أن يكون إخلالاً بواجب ، فالتوبة من الفعل القبيح هي أن يَندَم عليه ، ويَعزِم ألاّ يعود إلى مِثله ، وعَزمُه على ذلك هو كراهيته لفِعله ، والتوبةُ من الإخلال بالواجب هي أن يَندَم على إخلاله بالواجب ويَعزم على أداء الواجب فيما بعد .
قال أصحابُنا : وللتوبة شروط أُخَرُ تَختلِف بحَسَب اختلاف المعاصي ، وذلك أنّ ما يتوب منه المكلّف ؛ إمّا أن يكون فيه لآدميّ حَقٌّ أو لا حقَّ فيه لآدميّ ، فما ليس للآدميّ فيه حقّ فنحو تَرْك الصّلاة ، فإنّه لا يجب فيه إلاّ النّدم والعَزْم على ما قدّمنا ، وما لآدميٍّ فيه حقٌّ على ضربين : أحدُهما أن يكون جنايةً عليه في نفسِه أو أعضائِه أو مالِه أو دِينِه ، والآخَر ألاّ يكون جِنايةً عليه في شيء من ذلك ، فما كان جنايةً عليه في نفسِه أو أعضائِه أو مالِه ، فالواجبُ فيه النَّدَم والعَزْم ، وأن يَشرَع في تَسلِيم بدل ما أَتْلَف ، فإن لم يتمكّن من ذلك لِفقرٍ أو غيره عَزَم على ذلك إذا تمكّن منه ، فإنْ مات قبلَ التمكّن لم يكن من أهل العِقاب ، وإن جَنَى عليه في دينه بأن يكون قد أضلَّه بشُبْهة استَزلّه بها ؛ فالواجبُ عليه مع النّدم العَزْم والاجتهاد في حَلِّ شبهتِه من نفسِه ، فإن لم يتمكّن من الاجتماع به عزم على ذلك إذا تمكّن ، فإنْ ماتَ قبلَ التمكّن ، أو تمكّن منه واجتَهَد في حلّ الشبهة فلم تَنحَلّ من نفس ذلك الضالّ ، فلا عقابَ عليه ؛ لأنّه قد استَفْرَغ جهدَه ؛ فإن كانت المعصية غيرَ جناية نحو أن يَغتَابه أو يَسمَع غيبتَه فإنّه يَلزَمه النّدم والعَزْم ، ولا يلزَمه أن يستحلَّه أو يعتذرَ إليه ، لأنّه ليس يلزمه أرْشٌ لمن اغتَابه فيستحلّه ، ليَسقُط عنه الأرْشُ ، ولا غَمَّه فيزيل غمّه بالاعتذار ، وفي ذكر الغِيبَة له ليستحِلَّه فيزيل غمّه منها إدخالُ غمٍّ عليه ، فلم يَجُزْ ذلك ، فإن كان قد أسمَع المغتابَ غيبَته فذلك جِنايةٌ عليه ؛ لأنّه قد أوصَل إليه مَضَرّة الغمّ ، فيَلزَمه إزالة ذلك بالاعتذار .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
650

الشّرْحُ:

رُوِي : «فإنّكَ لا تُخلِّفه إلاّ لأحدِ رجلين» ، وهذا الفصل نَهيٌ عن الادّخار ، وقد سَبَق لنا فيه كلامٌ مُقنع .
وخلاصةُ هذا الفَصْلِ أنّك إنْ خلّفت مالاً ؛ فإمّا أن تخلِّفه لمن يَعمل فيه بطاعة اللّه ، أو لِمن يَعمَل فيه بمعصيته ، فالأوّل ، يَسعَد بما شَقيتَ به أنتَ ، والثاني ، يكون مُعانا منك على المَعْصية بما تركتَه له من المال ، وكلا الأمرينِ مذموم ، وإنّما قال له : «فارْجُ لمن مضى رحمةَ اللّه ، ولمن بَقيَ رزقَ اللّه » ، لأنّه قال في أوّل الكلام : «قد كان لهذا المال أهلٌ قَبْلَك ، وهو صائرٌ إلى أهلٍ بَعدك » .

425

الأصْلُ:

۰.وقالَ عليه السلام (لقائلٍ قالَ بحضرَتهِ : أَسْتَغْفِرُ اللّهَ ) : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ! أَتَدْرِي مَا الاْسْتِغْفَارُ ؟ الاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ : أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى ، وَالثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً ، وَالثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللّهَ عزَّ وجَلَّ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ ، وَالرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا ، وَالْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الْجِلْدَ بِالْعَظْمِ ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ ، وَالسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ : «أَسْتَغْفِرُ اللّهَ» .

الشّرْحُ:

قد رُوِي : «إنَّ الاستغفارَ درجهُ العلِّيين» ، فيكون على تقدير حَذْف مضاف ، أي أنّ دَرَجة الاستغفار درجة العِلِّيّين ، وعلى الرواية الأُولى يكون على تقدير حَذْف مضاف أي أن

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123264
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي