653
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

428

الأصْلُ:

۰.ويُروى أنه عليه السلام كان جالساً في أصحابه ، فمرت بهم امرأة جميلة ، فرمقها القوم بأبصارهم ، فقال عليه السلام :
إِنَّ أَبْصَار هذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحُ ، وَإِنَّ ذلِكَ سَبَبُ هَبَابِهَا ؛ فإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى امْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلاَمِسْ أَهْلَهُ ، فَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ كَامْرَأَتِهِ .
فقال رجل من الخوارج : قاتله اللّه كافراً ما أفقهه ! قالَ : فوثب القوم لِيقتلوه ، فقال عليه السلام : رُوَيْداً إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنبٍ .

الشّرْحُ:

تقول : هَبَّ الفَحْل والتَّيْسَ يهِبّ بالكَسْر هَبيباً أو هباباً ؛ إذا هَاجَ للضِّراب أو للسِّفاد ، والهباب أيضا : صَوتٌ ، والتَّيْسُ إذا هبّ فهو مِهْباب ؛ وقد هَبْهبتُه ، أي دعوتُه ليَنزُوَ فتهبهب ؛ أي تَزعْزَع .
وسَأَلني صديقُنا عليُّ بن البِطْريق عن هذه القِصّة فقال : ما بالُه عَفَا عن الخارجي وقد طَعَن فيه بالكفر ، وأنكَر على الأشعث قوله : «هذه عليكَ لا لَك» ، فقال : ما يُدْريك عليكَ لعنةُ اللّه ما عليّ ممّا لي ! حائك ابن حائك ، منافق ابن كافر ! وما وَاجَهَه به الخارجيّ أفظَع ممّا واجَهَه الأشعث ! فقلتُ : لا أدري .
قال : لأنّ كلّ صاحب فضيلة يعظُم عليه أن يُطعَن في فضيلته تلك ، ويُدَّعَى عليه أنّه فيها ناقص ، وكان عليٌّ عليه السلام بيت العلم ، فلمّا طعن فيه الأشعث طعن بأنّك لا تَدْري ما عليك ممّا لك ، فشَقّ ذلك عليه ، وامتَعَض منه ، وَجَبَهه ولعَنَه ؛ وأمّا الخارجي فلم يَطعَن في عِلمه ، بل أثبتَه له ، واعتَرَف به ، وتعجّب منه ، فقال : «قاتَلَه اللّه كافرا ما أفقَهَه !» ، فاغتَفَر له لفظةَ «كافر» بما اعترف له به من علوّ طَبَقته في الفِقْه ، ولم يَخْشُن عليه خُشونته على الأشعث ، وكان قد مَرَنَ على سَماعِ قول الخوارج : أنت كافر ، وقد كفرتَ ، يَعنُون التّحكيم ، فلم يَحفِل بتلك اللّفظة ونَهى أصحابَة عن قتلِه محافظة ورعايةً له على ما مَدَحه به .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
652

426

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام : الْحِلْمُ عَشِيرَةٌ ۱ .

الشّرْحُ:

كان يقال : الحلم جنودٌ مجنَّدة لا أرزاقَ لها .
وكان يقال : مَن غَرَس شجرة الحِلْم ، اجتَنَى ثَمرَة السِّلْم .

427

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام :مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ ! مَكْتُومُ الْأَجَلِ ، مَكْنُونُ الْعِلَلِ ، مَحْفُوظُ الْعَمَلِ . تَؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ ، وَتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ ، وَتُنْتِنُهُ الْعَرْقَةُ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم هاهنا خبر المبتدأ عليه ، والتقدير : «ابنُ آدم مِسكين» ، ثمّ بيّن مَسْكَنَتَه من أين هي؟ فقال : إنّها من سِتّة أوجُه : أجلُه مكتوم لا يَدرِي مَتَى يُخترَم ، وعِلَلُه باطنة لا يَدرِي بها حتّى تَهيجَ عليه، وعَملُه محفوظ ؛ «مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إلاَّ أحْصَاهَا»۲ ، وقَرْص البَقّة يؤلمُه ، والشَّرْقة بالماء تَقتُله ، وإذا عَرِق أنتنْته العَرْقة الواحدة وغيّرتْ رِيحَه ؛ فمن هو على هذه الصِّفات فهو مسكين لا محالَة ، لا ينبغي أن يأمَن ولا أن يَفْخَر ۳ .

1.أي إن الحلم يجمع لك من الأنصار والأعوان ما يجتمع لك بالعشيرة .

2.سورة الكهف ۴۹.

3.ونحو هذه الحكمة ، ما جاء في الحكمة ۲۸۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120871
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي