67
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وخامسها : قوله : «وكلّ قائم في سواه معلول» ، أي وكلّ شيء يتقوّم بغيره فهو معلول ، وهذا حقٌّ لا محالة ، كالأعراض ؛ لأنها لو كانت واجبةً لاستغنت في تقوّمها عن سواها ، لكنّها مفتقرة إلى المحلّ الذي يتقوّم به ذواتها ؛ فإذا هي معلولة ؛ لأنّ كل مفتقر إلى الغير فهو ممكن فلا بدّ له من مؤثر .
وسادسها : قوله : «فاعل لا باضطراب آلة» هذا لبيان الفرق بينه وبيننا ، فإنّنا نفعل بالآلات وهو سبحانه قادر لذاته فاستغنى عن الآلة .
وسابعها : قوله : «مقدّر لا بجوْل فكرة» ، هذا أيضا للفرق بيننا وبينه ؛ لأنّا إذا قدّرنا أجَلْنا أفكارنا ، وتردّدت بنا الدواعي ، وهو سبحانه يقدّر الأشياء على خلاف ذلك .
وثامنها : قوله : «غنيّ لا باستفادة» ، هذا أيضا للفرق بيننا وبينه ؛ لأنّ الغنيّ منّا مَنْ يستفيد الغنى بسبب خارجي ، وهو سبحانه غني بذاته من غير استفادة أمر يصير به غنياً ، والمراد بكونه غنيّا أنّ كل شيء من الأشياء يحتاج إليه ، وأنّه سبحانه لا يحتاج إلى شيء من الأشياء أصلاً .
وتاسعها : قوله : «لا تصحبه الأوقات» ، هذا بحث شريف جدا ؛ وذلك لأنّه سبحانه ليس بزمان ولا قابل للحركة ، فذاته فوق الزمان والدهر .
وعاشرها : قوله : «ولا تُرْفِدُه الأدوات» ، رفدت فلاناً إذا أعنتَه ؛ والمراد الفرق بيننا وبينه ؛ لأنّنا مرفودون بالأدوات ، ولولاها لم يصح منا الفعل ، وهو سبحانه بخلاف ذلك .
وحادي عشرها : قوله : «سبق الأوقات كونُه ...» إلى آخر الفصل ، هذا تصريح بحدوث العالم .
فإن قلت : ما معنى قوله : «والعدم وجوده» ؟ وهل يسبق وجوده العدم مع كون عدم العالم في الأزَل لا أوّلَ له؟
قلت : ليس يعني بالعدم هاهنا عدم العالم . بل ، عدم ذاته سبحانه ، أي غلب وجود ذاته عدمها وسبقها ، فوجب له وجود يستحيل تطرّق العدم إليه أزلاً وأبداً بخلاف الممكنات ، فإنّ عَدمها سابق بالذّات على وجودها ، وهذا دقيق!

الأصْلُ:

۰.بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لاَ مَشْعَرَ لَهُ ، وَبِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الْأَمُورِ عُرِفَ أَنْ لاَ ضِدَّ لَهُ ، وَبِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لاَ قَرِينَ لَهُ . ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ ؛ وَالْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
66

الشّرْحُ:

هذا الفصل يشتمل على مباحث متعدِّدة :
أولها : قوله : «ما وحَّدَهُ مَنْ كَيّفه» ، وهذا حقّ ؛ لأنّه إذا جعله مكيَّفا جعله ذا هيئة وشكل ، أو ذا لونٍ وضوء ، إلى غيرهما من أقسام الكَيْف ، ومتى كان كذلك كان جسما ولم يكن واحداً ؛ لأنّ كلّ جسم قابل للانقسام ، والواحد حقاً لا يقبل الانقسام ، فقد ثبت أنه ما وحّده مَنْ كيّفه .
وثانيها : قوله : «ولا حقيقته أصاب مَنْ مثّله» ، وهذا حقّ ؛ لأنّه تعالى لا مثل له ، وقد دلّت الأدلّة الكلاميّة والحُكْميّة على ذلك ، فَمنْ أثبت له مثلاً ، فإنه لم يصب حقيقته تعالى ، والسَّجعة الأُخرى تعطي هذا المعنى أيضا من غير زيادة عليه ، وهي قوله عليه السلام : «ولا إيّاه عَنَى مَنْ شبّهه» ولهذا قال شيوخنا : إنّ المشبِّه لا يعرف اللّه ، ولا تتوجّه عباداتُه وصلواته إلى اللّه تعالى ؛ لأنّه يعبد شيئا يعتقده جسما ، أو يعتقده مشابها لبعض هذه الذوات المحدَثة ، والعبادة تنصرف إلى المعبود بالقصد ، فإذا قُصِد بها غيرُ اللّه تعالى لم يكن قد عبدَ اللّه سبحانه ولا عرفه ، وإنّما يتخيّل ويتوهّم أنه قد عرفه وعبده ، وليس الأمر كما تخيّل وتوهّم .
وثالثها : قوله عليه السلام : «ولا صَمَده مَنْ أشار إليه» أي أثبته في جهة . الصَّمَد في اللغة العربيّة : السيّد . والصمَد أيضا الذي لا جوف له ، وصار التّصميد في الاصطلاح العرفيّ عبارة عن التنزيه ، والذي قال عليه السلام حقّ ؛ لأنّ مَنْ أشار إليه ـ أي أثبته في جهة ـ فإنه ما صَمَده ؛ لأنّه ما نزّهه عن الجهات ، بل حكم عليه بما هو من خواصّ الأجسام ، وكذلك مَنْ توهّمه سبحانه ، أي مَنْ تخَيّل له في نفسه صورة أو هيئة أو شكلاً ، فإنّه لم ينزهه عَمّا يجب تنزيهه عنه .
ورابعها : قوله : «كلّ معروف بنفسه مصنوع» ، هذا الكلام يجب أن يتأوّل ، ويحمل على أنّ كلّ معروف بالمشاهدة والحسّ فهو مصنوع ، وذلك لأنّ البارئ سبحانه معروف من طريقين : إحداهما من أفعاله ، والأُخرى بنفسه ؛ وهي طريقة الحكماء الّذين بحثُوا في الوجود من حيث هو وجود ، فعلموا أنّه لابدّ من موجودٍ واجبِ الوجود ، فلم يستدلّوا عليه بأفعاله ، بل أخرج لهم البحث في الوجود أنه لابدّ من ذات يستحيل عدمها من حيث هي هي .
يريد عليه السلام بالفقرة الأُولى كلّ معروف بنفسه من طريق المشاهدة مستقلاً بذاته ، غير مفتقر في تقوّمه إلى غيره فهو مصنوع ، وهذا يختصّ بالأجسام خاصّة ، ولا يدخل الألوان وغيرها من الأعراض فيه ؛ لأنّها متقوّمة بمحالها .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 152533
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي