85
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

أعورتم ، أي انكشفتم وبدتْ عوراتكم ، وهي المَقاتِل ، تقول : أعور الفارس ، إذا بدت مَقاتلُه ، وأعورك الصَّيْدُ إذا أمكنك منه .
قوله عليه السلام : أوْحَشوا ما كانوا يوطِنون ، أي أوطنوا قبورهم التي كانوا يوحشونها . « واشتغلوا بما فارقوا» ، أي اشتغلوا وهم في القبور بما فارقوه من الأموال والقيْنات ، لأنها أذىً وعقاب عليهم في قبورهم ، ولولاها لكانوا في راحة . ويجوز أن يكون حكاية حالهم وهم بعد في الدنيا ، أي اشتغلوا أيام حياتهم من الأموال والمنازل بما فارقوه ، وأضاعوا من أمر آخرتهم ما انتقلوا إليه .
ثم ذكر أنّهم لا يستطيعون فعل حسنة ، ولا توبةً من قبيح ؛ لأنّ التكليف سقط ، والمنازل التي أمروا بعمارتها ، والمقابر ، وعمارتها الأعمال الصالحة . وقوله عليه السلام : «إن غداً من اليوم قريب » كلام يجري مجرى المثل ، قال :
* غدٌ ما غدٌ ما أقرب اليوم من غدِ *
والأصل فيه قول اللّه تعالى : «إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بقَريبٍ»۱ . وقوله عليه السلام : «ما أسرع الساعات في اليوم ...» إلى آخر الفصل ، كلام شريف وجيز بالغ في معناه ، والفصل كلّه نادر لا نظير له .

235

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلامفَمِنَ الاْءِيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالصُّدُورِ ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ . فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ فَقِفُوهُ حَتَّى يَحْضُرَهُ

1.سورة هود ۸۱ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
84

يستضيءبهامن وَلَجها، أيدخل فيضوئها. وآذانُ قلوبكم؛ كلمة مستعارة، جعل للقلب آذاناً.

234

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلامأُوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ، بِتَقْوَى اللّهِ وَكَثْرَةِ حَمْدِهِ عَلَى آلاَئِهِ إِلَيْكُمْ ، وَنَعْمَائِهِ عَلَيْكُمْ ، وَبَلاَئِهِ لَدَيْكُمْ . فَكَمْ خَصَّكُمْ بِنِعْمَةٍ ، وَتَدَارَكَكُمْ بِرَحْمَةٍ ! أَعْوَرْتُمْ لَهُ فَسَتَرَكُمْ ، وَتَعَرَّضْتُمْ لِأَخْذِهِ فَأْمْهَلَكُمْ !
وَأُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَإِقْلاَلِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ ، وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ ، وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ ! فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ ؛ حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبِينَ ، وَأُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ ، كَأَ نَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً ، وَكَأَنَّ الآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَهُمْ دَاراً . أَوْحَشُوا مَا كَانُوا يُوطِنُونَ ، وَأَوْطَنُوا مَا كَانُوا يُوحِشُونَ ، وَاشْتَغَلُوا بِمَا فَارَقُوا ، وَأَضَاعُوا مَا إِلَيْهِ انْتَقَلُوا ، لاَ عَنْ قَبِيحٍ يَسْتَطِيعُونَ انْتِقَالاً ، وَلاَ فِي حَسَنٍ يَسْتَطِيعُونَ ازْدِيَاداً ، أَنِسُوا بِالدُّنْيَا فَغرَّتْهُمْ ، وَوَثِقُوا بِهَا فَصَرَعَتْهُمْ .
فَسَابِقُوا ـ رَحِمَكُمُ اللّهُ ـ إِلَى مَنَازِلِكُمُ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَا ، وَالَّتِي رَغِبْتُمْ فِيهَا ، وَدُعِيتُمْ إِلَيْهَا . وَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَالْمُجَانَبَةِ لِمَعْصِيَتِهِ ، فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ . مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ ، وَأَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ ، وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ ، وَأسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمْرِ ! ۱

1.البلاء : الإحسان ، وأصله للخير والشر ، ولكنّه هنا بمعنى الخير . لأخذه : أي أن يأخذكم بالعقاب . أغفله : سها عنه وتركه . أوطن المكان : اتخذه وطنا . أوحشه : هجره حتى لا أنيس منه به .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120905
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي