99
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

لا يستحقون أن يُتأسّف عليهم ، وقيل : أراد المبالغة في تحقير شأنهم ؛ لأنّ العرب كانت تقول في العظيم القدر يموت : بكته السماء ، وبكته النجوم .

238

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلام
ومن الناس مَنْ يسمّي هذه الخطبة بالقاصِعة ، وهي تتضمّن ذمَّ إبليس لعنه اللّه ، على استكباره وتركه السجود لآدم عليه السلام وأنّه أوّل من أظهر العصبية وتبع الحمية . وتحذيرَ الناس من سلوك طريقته :
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ وَالْكِبْرِيَاءَ ، وَاخْتَارَهُمَا لنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ ، وَجَعَلَهُمَا حِمىً وَحَرَماً عَلَى غَيْرِهِ ، وَاصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ ، وَجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ .
ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذلِكَ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ ، لَِيمِيزَ المُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ ، وَمَحْجُوبَاتِ الْغُيُوبِ : «إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ»۱ ؛ اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بَخَلْقِهِ ، وَتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ ، فَعَدُوُّ اللّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ ، وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ ؛ الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ ، وَنَازَعَ اللّهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ .

1.سورة ص ۷۱ ـ ۷۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
98

ساق وسياق» ، يقال : قامت الحرب على ساق ، أي على شدّة ، ومنه قوله سبحانه : «يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ»۱ والسِّياق : نَزْع الروح ، يقال : رأيت فلاناً يسوق ، أي ينزع عند الموت ، أو يكون مصدر ساق الماشية سوقاً وسياقاً . «ولَحاق وفراق» ، اللام مفتوحة ، مصدر لَحق به ، وهذا كقولهم : «الدّنيا مولود يولَد ، ومفقود يفقَد» . قال عليه السلام : «قد تحيّرَت مذاهبها» ، أي تحيّر أهلها في مذاهبهم ، وليس يعني بالمذاهب هاهنا الاعتقادات ، بل المسالك . وأعجزت مهاربها : أي أعجزتهم جعلتهم عاجزين ، فحذف المفعول . وأسلمتهم المعاقل : لم تحصّنهم . ولفَظَتهم ، بفتح الفاء : رَمَتْ بهم وقذفتهم . وأعيتهم المحاول ، أي المطالب .
ثم وصف أحوال الدنيا فقال : «هم فمِن ناجٍ معقور» ، أي مجروح كالهارب من الحرب بحشاشة نفسه ، وقد جرح بدنه . ولحم مجزور ، أي قتيل قد صار جَزَرا للسباع . وشِلْوٍ مذبوح : الشِّلْو ، العضو من أعضاء الحيوان المذبوح أو الميّت . ودم مفسوح ، أي مسفوك . وعاضٍّ عَلَى يديه ، أي ندماً . وصافقٍ بكفَّيْه ، أي تعسفاً أو تعجباً . ومرتفق بخدّيه : جاعل لهما عَلَى مرفقيه فكرا وهمّا . وزارٍ على رأيه ، أي عائب ، أي يرى الواحد منهم رأياً ويرجع عنه ويعيبه ، وهو البَداء الذي يذكره المتكلّمون . ثم فسّره بقوله : «وراجع عن عزمه» .
ثم قال عليه السلام : «وقد أدبرت الحيلة» ، أي ولّت ، وأقبلت الغِيلة ، أي الشرّ ، ومنه قولهم : فلان قليل الغائلة . أو يكون بمعنى الاغتيال ، يقال : قتله غيلة ، أي خديعة . يذهب به إلى مكان يوهمه أنه لحاجة ثم يقتله . «ولاتَ حين مناص» ، هذه من ألفاظ الكتاب العزيز ۲ ، قال الأخفش : شبّهوا «لات» بليس ، وأضمروا فيها اسم الفاعل . والمناص : المهرب ، ناص عن قرْنه يَنُوص نَوْصاً ومناصاً ، أي ليس هذا وقت الهرب والفرار . ويكون المناص أيضاً بمعنى الملجأ والمفزع ، أي ليس هذا حين تجد مفزعاً ومعقلاً تعتصم به . هيهات : اسم للفعل ومعناه بَعُد .
قوله عليه السلام : «ومضت الدنيا لحال بالِهَا» ، كلمة تقال فيما انقضى وفرط أمره ، ومعناه مضى بما فيه إن كان خيراً ، وإن كان شرّا . قوله عليه السلام : «فما بكت عليهم السماء» ، هو من كلام اللّه تعالى ؛ والمراد أهل السماء وهم الملائكة وأهل الأرض وهم البشر ، والمعنى أنّهم

1.سورة القلم ۴۲ .

2.وهو قوله تعالى في سورة ص ۳ : «وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ» .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120945
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي