107
ميراث محدث اُرموي

المعنى :

و حيث إن رجلاً لو كان مظلوما و سيّده غاب عنه لا يدري [ أين ]محله ، فهو من كثرة الظلم و شدة ما يرد عليه يتفحص و يتجسس كل نقطة و مكان من المظانّ المحتملة ، فإذا وجد سيده فبعد إظهار فدويته و عرض إرادته و خدماته يلتجئ إليه و يستغيث به و يخاطبه و يناديه بما يهيّج به حميَّتَه ، فإنْ نال مقصوده و إلا فيلتجئ بمن هو أعلى منهما ، و كلهما مطيعان له ، و الأمر موكول إلى إرادته السنية . فكذلك الداعي بهذا الدعاء لفرط الابتلاء في الغيبة الكبرى يتفحص عن سيده بتعبيراته الأولية بعبارات الاستفهام بقوله : «أين أين» إلى أن يصل بمقام قربه و الاستعداد ، لحضرته ، و كأنه وجده ، فيظهر فدويته بقوله : « بأبي أنت و أمّي » ، ثم يناديه بهذه العبارات .
قوله : « يا ابن الصراط المستقيم » الصراط المستقيم إشارة إلى الآية الشريفة : «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ»۱
.
أمّا معنى الهداية إلى الصراط ، فربما يصدر من بعض الجهّال المعاندين و أبالسة الإنس سرّاق الدين بعض الكلمات في أمثال هذه الآيات بتشكيك ضعفاء العقيدة من المسلمين بمثل هذه الشبهات الواهية ، فيقول مثلاً : «إنك لو كنت على الهداية فما معنى الدعاء ؟ لكونه حينئذ تحصيلاً للحاصل ، و إلا فأنت على ضلالة ! إذ هما ضدان بل نقيضان لا يجتمعان و لا يرتفعان» .
و جوابه واضح ؛ فإنّ العلة المحدثة ليست مبقية ، فكما أن حدوث الممكنات لا بدّ له من علة فكذلك بقاؤها . و معنى قيُّومية الواجب تعالى هو إبقاء الموجودات على حالة الوجود ؛ لأن علة الاحتياج إلى الواجب في الممكنات على التحقيق هو الإمكان لا الحدوث . فالهداية كما أنها في بدو الحدوث مفتقرة إلى مشيئة الباري تعالى فكذا في بقائها ، فالسؤال في هذه بالنسبة إلى البقاء ؛ كما في الصافي ۲ عن أمير المؤمنين عليه السلام : يعني أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا . انتهى .
و بتقريب آخر نقول : إن الهداية قد تكون بمعنى إراءة الطريق كما في قوله تعالى : «إِنَّا هَدَيْنَـهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا»۳ ، و قد يكون بمعنى الإيصال إلى المطلوب كما في قوله تعالى : «إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»۴ ؛ حيث إنّ إراءة الطريق كان من وظائف النبي « ص » ، فالمنفي في الآية هو الإيصال المسبَّب عن التوفيق الرباني ، فليس كل مهتدٍ في البدو واصلاً إلى المطلوب ـ و هو الجنة ـ حتى يثبت و يستمر على دينه ، و يكون راسخا في إيمانه إلى الموت ، و هو بتوفيق اللّه سبحانه . فالدعاء في الآية سؤال ذلك التوفيق و الإدامة في الهداية .
وأمّا الصراط في الآية فعلى ما في الصافي ۵ عن المعاني ۶ عن الصادق عليه السلام : هي الطريق إلى معرفة اللّه تعالى ، و هما صراطان : صراط في الدنيا ، و صراط في الآخرة ؛ فأمّا الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة ، من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، و من لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم . انتهى .
فقد استفيد من هذا الخبر أنّ صراط الدنيا مقدمة لصراط الآخرة الذي هو أدقّ من الشَّعر و أحدّ من السيف ، و الناس مختلفون في سلوكه بين مسرع في السير كالبرق الخاطف و مبطئ فيه ، إلى أن يصير بعضهم يمشي على أربع . و مبنى الاختلاف اختلافهم في مراتب الولاية .
و لا يخفى أن كونه مستقيما بالنسبة إلى السالك لهذا الصراط ؛ حيث إنّ الاستقامة حدّ الاعتدال بين الإفراط و التفريط ، و ميزان عدل مانع من الانحراف إلى اليمين و اليسار ؛ «لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَ لاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ»۷ ، و قد بيّنه اللّه سبحانه بعد ذلك بقوله تعالى : «لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَ لاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ»۸ ؛ فإن النعمة من المطْلقات المحمولة على الفرد الأكمل المشار إليه في الآية : «وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»۹ و في قوله : «ثُمَّ لَتُسْئلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»۱۰ على ما قاله الرضا عليه السلام ۱۱ معاتبا لمن فسّره بالطعام و الشراب : بأن اللّه شأنه أجل من محاسبة الطعام و الشراب كما لا يحاسبه أدنى إنسان يرد عليه الضيف ، بل المراد نعمة الولاية . و قد اُشير إليه أيضا في الآية الاُخرى الواردة في قضية غدير خم «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى»۱۲ .
فإذا عرفتَ هذا فقد تبيَّن لك أن المراد من المنعَم عليهم : الذين تفضَّل عليهم اللّه ـ سبحانه و تعالى ـ بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم وصفهم اللّه بحدّ التوسط و الاعتدال بعدم التفريط و الإفراط ؛ فإن الناس ـ كما أنهم في حق عيسى روح اللّه قد انحرفوا عن الدين ؛ تارة بالتفريط كاليهود حيث إنهم من شدة العداوة قد نسبوا إلى اُمّه ما لا يناسب عصمتها وخدارتها ، و اُخرى بالإفراط كالنصارى إذ قالوا باُلوهيته ـ فالمغضوب عليهم هم اليهود على ما يُستفاد من آية : «مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ»۱۳ ، والضالين هم النصارى ؛ حيث قال فيهم : «قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا»۱۴ . فكذلك في حق أمير المؤمنين عليه السلام على ما قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، هلك فيك اثنان : محب غال ، و مبغض قال۱۵ . و إنما الناجي من اعتدل
و استوى و سلك الصراط المستقيم ، و هو الطريق الأوسط .
و إلى بعض ما أشرنا إليه يشير ما في الصافي ۱۶ عن القمي ۱۷ عنه عليه السلام : إن«الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ»النصّاب ، و«الضَّآلِّينَ»أهل الشكوك الذين لا يعرفون الإمام عليه السلام .
قوله : « يا ابن النبأ العظيم » النبأ العظيم في قوله تعالى : «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ»۱۸ قد يُفسَّر بالبعث ؛ لوقوع الاختلاف فيه ، و لكن النبأ العظيم الذي قد عظم الاختلاف فيه مسألة الإمامة و الولاية ، [ لا ] سيما في مادة أمير المؤمنين عليه السلام ، ففي الصافي ۱۹ عن العيون ۲۰ عن الصادق عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السلامقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا علي ، أنت حجة اللّه ، و أنت باب اللّه ، و أنت الطريق إلى اللّه ، و أنت النبأ العظيم ، و أنت الصراط المستقيم ، و أنت المثل الأعلى . انتهى .
قوله : « يا ابن من هو في أم الكتاب » الخ ، إشارة إلى آية الزخرف : «وَ إِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَـبِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ»۲۱ ، فالضمير في « إنه » و إن كان راجعا في الظاهر إلى القرآن المذكور في السابق ، فإنّ شأنه رفيع ، و مضامينه حكمة ؛ و لكن حيث إنّ القرآن الناطق هو إمام العصر ، و أبو الأئمة و سيدهم هو أمير المؤمنين ، عليه فلا يبعد أن يكون المذكور في «لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ» العلي الاسمي لا الوصفي ؛ ففي الصافي ۲۲
عن المعاني ۲۳ عن الصادق عليه السلام : هو أمير المؤمنين عليه السلام في أمّ الكتاب ، يعني في الفاتحة ؛ فإنه مكتوب فيها في قوله تعالى : «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ» ، قال : الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين عليه السلام و معرفته . انتهى .
قوله : « يا ابن النعم السابغات » إشارة إلى الآية الشريفة : «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَ بَاطِنَةً»۲۴ ؛ فإن النعمة الباطنة ـ على ما سبق ـ هو الإمام عليه السلام ، [ لا ]سيما الإمام الغائب عجل اللّه فرجه .
قوله : « يا ابن طه و المحكمات ، يا ابن يس و الذاريات ، يا ابن الطور و العاديات » .
أما كون « طه » و « يس » من أسماء النبي صلى الله عليه و آله فواضح ، ففي الصافي ۲۵ عن المعاني عن الصادق عليه السلام : و أما طه اسم من أسماء النبي ، و معناه يا طالب الحق الهادي إليه . و عن القمي ۲۶ عنهما عليهماالسلام قالا : كان رسول اللّه إذا صلّى قام على أصابع رجليه حتى تورم ، فأنزل اللّه تعالى«طـه»بلغة طيِّ : «يا محمّد» ،«مَآ أَنزَلْنَا»۲۷الآية .
و في الصافي ۲۸ عن المعاني ۲۹ عن الصادق عليه السلام : و أما «يس» فاسم من أسماء النبي ، و معناه : يا أيها السامع للوحي .
ثم إنك قد عرفت تفسير المحكم و المتشابه ، و لكن في الصافي ۳۰ عن الكافي ۳۱ و العياشي ۳۲ عنه : إن المحكمات أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السلام ، و المتشابهات فلان و فلان . انتهى .
و لعل التعبير بالمحكمات عن الأئمة ـ سلام اللّه عليهم ـ لكونهم اُمّ الكتاب و أساس القرآن و القرآن الناطق ، فكما أن المتشابهات لا بدّ أن ترجع بالأخرة إلى المحكمات ، فكذا غير الأئمة إذا اختلفوا في أمر لا بدّ أن يرجعوا إليهم ، فهم رافعوا الخلاف . و أما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون أعداءهم ـ وهم المتشابهات ـ ابتغاء الفتنة .
هذا كله واضح على ما بينّا السرّ في التخصيص بابن طه و يس و المحكمات ، و أمّا «الذاريات» فلم أجد السر مستقيما بالنسبة إلى هذه العبارات إلا بنحو تكلف و تأويل ، فإن «الذَّ رِيَـتِ» ـ على ما فسّروها ـ الرياح تذرو التراب وغيره ، و «فَالْحَـمِلَـتِ وِقْرًا» السحب الحاملات للأمطار ، و «فَالْجَـرِيَـتِ يُسْرًا» السفن الجارية في البحر بسهولة ، و «فَالْمُقَسِّمَـتِ أَمْرًا» الملائكة التي تقسم الاُمور من الأرزاق و الآجال و غيرها ؛ كذا في الصافي ۳۳ عن
القمي ۳۴ عن الصادق عن أمير المؤمنين عليه السلام .
و طريق التأويل : أن اختيار كل منها إلى الإمام المتصرِّف في عالم الإمكان ؛ كما اُشير إليه في الدعاء ۳۵ : بوجوده ثبتت الأرض و السماء ، و بيُمنه رزق الورى .
و يحتمل أن تكون الإشارة إلى سورة «الذاريات» بمناسبة الآية الاُخرى المشتملة ـ بواسطة القسم ـ على الأهمية في المسألة ؛ حيث قال : «وَ السَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ»۳۶ . و « ذات الحبك » جمع حبيكة أي الطريقة ؛ كما في القاموس ۳۷ ، أو ذات الحسن و الزينة كما في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام .
فالقول المختلف الذي اختلفوا فيه و لم يتحملوا لثقله و صعوبته هو الولاية و الإمامة ؛ كما في الصافي ۳۸ عن الكافي ۳۹ عن الباقر : «لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ» في أمر الولاية ، قال : من اُفِكَ عن الولاية اُفِكَ عن الجنة .
و لا يخلو هذا المعنى أيضا من تكلف ، كما أن كونه «ابن العاديات» غير خال عن التكلف ؛ فإنّ العاديات على ما في تفسير الصافي ۴۰ و غيره ۴۱ خيل الغزاة في غزوة وادي اليابس ، و التوصيف بـ «فَالْمُورِيَـتِ قَدْحًا»۴۲ لانقداح النار من سنابك الخيل من شدة العَدْو و كون الأرض ذات حجارة .
و حيث إنّ الأوَّلين قد انهزم كل منهما في رئاسة الجند ، فبعث النبي صلى الله عليه و آله عليا أمير المؤمنين عليه السلام في الثالثة ، فصار الفتح معه ، و رجع مظفَّرا منصورا مع غنائم كثيرة ، حتى أنه قال الصادق عليه السلام : ما غنم المسلمون بغنيمة أكثر منها إلا في خيبر فتحا۴۳. صار الفتح باسم أمير المؤمنين فاختصت السورة به عليه السلام .
أمّا كونه ابن الطور فلا مناسبة مع سورة الطور ؛ على ما هو واضح للمتأمل في عباراته و فقراته . إلا أنّ «طور سينين» في سورة التين قد فُسّر بتفاسير متعددة ؛ منها ـ على تفسير البلدان ـ تفسيره بكوفة ، كما أن «التين» هو المدينة ، و «الزيتون» هو بيت المقدس ، و «البلد الأمين» مكة ؛ كما في الصافي ۴۴ عن الخصال ۴۵
و المعاني ۴۶
عن الكاظم عليه السلام . و منها ـ على تفسير الأشخاص ـ تفسيره بأمير المؤمنين عليه السلام ، و التين و الزيتون الحسنان ، و البلد الأمين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ كما في الصافي ۴۷ عن المناقب ۴۸ عن الكاظم عليه السلام .
ثم اعلم أنه قد ينزَّل العالم بالشيء منزلة الجاهل ؛ لعدم مشيه مشي العالم ، كما قاله علماء المعاني ، و ذكروا له النظير قوله تعالى حكايةً عن موسى : «هِيَ عَصَايَ أتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَ أهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي»۴۹ الآية ؛ فإنّ الخبر لا بدّ له من فائدة أو لازمها ، و الفائدة العلم بالحكم ، و اللازم كون المتكلم عالما به ، و كلاهما معلومان للّه تعالى ، و لكن حيث سأل و استفهم بقوله : «وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَـمُوسَى»۵۰ فكأنه لم يمش مشي من يعلم ، إذ سأل عن ذلك ، فعومل معه كذلك .
و قد يُنزَّل مطلق وجود الشيء منزلة عدمه ؛ لعدم بروز آثار الوجود منه ، كما يقال : « رجل عديم النفع ؛ هو و العدم سواء! » .
فإذا عرفت ذلك ، فإن النادب الداعي المنادي لإمام عصره ـ عجل اللّه تعالى فرجه ـ بهذه العبارات المهيجة للحمية و المثيرة للغيرة ، لما لم يجد مجيبا لندائه و لا مستمعا إلى دعائه ، فأيس من ذلك ، و جدَّد الاستفهام عن مكانه كما كان مستفهما و متفحصا قبل ذلك ، فقال : « ليت شعري أين استقرت بك النوى » ؛ فإن معتقدنا معشر الإمامية أن إمام العصر يَعلم استغاثة المستغيث ؛ كما في بعض الزيارات : أشهد أنك تسمع كلامي و ترد سلامي ، و لكنه لعدم الجواب نُزِّل منزلة من فُقد أو غاب ، فتمنَّى العلم بموضعه و محل غيبته .
و حيث إنه ـ عجل اللّه فرجه ـ قد اختفى من الناس خوفا منهم ، و الاختفاء يستلزم الغيبة و بُعد الفاصلة ، فكأن بُعد الفاصلة قد مكَّنه في أبعد المواضع و أخفاها عن أنظارهم ، فصح نسبة ذلك إلى النوى في قوله : « أين استقرت بك النوى » .
و هذا معنى عامٌّ كلي يحتمل المواضع العديدة و النقاط الكثيرة ، [ لا ]سيما بعد ضم ما بعده حيث قال : « بل أيّ أرض تقلك أو ثرى » ، و الثرى إما مرادف للأرض و إما الأرض الندية على ما في القاموس ۵۱ ، فيكون إشارة إلى السواحل أو الجزائر ؛ على ما في خبر علي بن صالح المازندراني و قضية الجزيرة الخضراء كما في ثالث عشر البحار ۵۲ ؛ فإنّ الجزيرة لكونها محاطة بالماء تكون ندية لا محالة . أو إشارة إلى الأراضي المنخفضة كالسرداب الذي غاب عليه السلام فيه على ما في بعض الأخبار ، حتى أن الناصب العنيد ابن حجر قد استهزأ بشعره العربي الذي قال فيه :
ما آن للسرداب أن يلد الذيجعلتموه بزعمكم انسانا
و على عقولكم العفاء لأنكمثَلَّثتُم العنقاء و الغيلانا
نعم قد كانت العبارة الاُولى أعم من حيث الاشتمال على الأرض و السماء ، فخصّت في العبارة اللاحقة بالأرض و الثرى ، ثم قد زاد التخصيص في العبارة الثالثة حيث قال : « أ برضوى أم بغيرها أم ذي طوى » ، فخصص « الرضوى » و هي جبل بالمدينة على ما في المجمع ۵۳ ، و « ذي طوى » هو موضع بمكة ؛ على ما في القاموس ۵۴ ، زيادة في التخصيص و تقريب إلى التعيين ، إلا أنه لكونه منافيا لما هو المأمور به من إخفاء محل غيبته ، فزيد في الأثناء ما يزيد الإبهام ؛ فإن غيرها غير معلوم ؛ لصحة صدق غير الرضوى على الأمكنة المتعددة .
أمّا تعيين « الرضوى » أو « ذي طوى » فعلى طبق بعض الأخبار ، و يكفي في الرضوى ما في البحار ۵۵ عن غيبة الطوسي ۵۶ عن عبد الأعلى قال : خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السلام ، فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليها ، فقال لي : ترى هذا الجبل ؟ هذا جبل يدعى برضوى من
جبال فارس ، أحبّنا فنقله اللّه إلينا ، أما إنّ فيه كل شجر مطعم و نعم أمان للخائف ـ مرتين ـ أما إنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين ؛ واحدة قصيرة ، و الاُخرى طويلة .
انتهى .
حتى أن الكيسانية لقولهم بإمامة محمد بن الحنفية و كونه الغائب المنتظر قد قال قائلهم ـ كالسيد الحميري قبل تَبَصُّرِه ـ ما يؤيد ذلك ، فقال تارة فيما قال :
و سبطٌ لا يذوق الموتَ حتىيقودَ الجيشَ يقدمُه اللواءُ
تغيَّب لا يرى عنّا زمانابرضوى عنده عسلٌ و ماءُ۵۷
و لكن بعد تبصره ببركة جعفر الصادق عليه السلام فقال :
فلستُ بغالٍ ما حَيِيْتُ و راجعإلى ما عليه كنتُ اُخفي و اُضمرُ
و لا قائلاً حيٌّ برَضْوى محمدو إن عاتب جُهّال مقالي و أكثروا۵۸
و أما « ذي طوى » فقد ورد فيه في البحار ۵۹ عن العياشي ۶۰ عن عبد الأعلى الحلبي قال أبو جعفر عليه السلام : يكون لصاحب هذا الأمرغيبة في بعض هذه الشِّعاب ـ ثم أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ـ حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين . الحديث .
قوله : « عزيزٌ عليّ أن أرى الخلقَ و لا تُرى » لا يخفى أنه ـ عجل اللّه تعالى فرجه ـ مع قربه من الخلق بعيد عن أنظارهم ، فيراهم و لا يرونه ، و قد ورد في هذا المطلب أخبار كثيرة ، منها ما في البحار ۶۱ عن الكافي ۶۲ عن أبي عبد اللّه عليه السلام في بيان أن لصاحب الأمر سننا من سنن الأنبياء ... إلى أن قال : و أما سنته من يوسف فالستر ، جعل اللّه بينه و بين الخلق حجابا يرونه و لا يعرفونه ... الحديث .

1.سورة الفاتحة ، الآية ۶ .

2.الصافي ، ج ۱ ، ص ۸۵ ؛ و انظر : معاني الأخبار ، ص ۳۳ ، ح ۴ .

3.سورة الإنسان ، الآية ۳ .

4.سورة القصص ، الآية ۵۶ .

5.الصافي ، ج ۱ ، ص ۸۵ .

6.معاني الأخبار ، ص ۳۲ باب معنى الصراط ، ح ۱ .

7.سورة النور ، الآية ۳۵ .

8.سورة الفاتحة ، الآية ۷ .

9.سورة الضحى ، الآية ۱۱ .

10.سورة التكاثر ، الآية ۸ .

11.عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج ۱ ، ص ۱۳۷ ، ح ۸ .

12.سورة المائدة ، الآية ۳ .

13.سورة المائدة ، الآية ۶۰ .

14.سورة المائدة ، الآية ۷۷ .

15.نهج البلاغة ، ج ۴ ، ص ۲۸ ، حكمة ۱۱۷ بلفظ : « هلك فيَّ . . » ، و كذا في عيون الحكم و المواعظ للواسطي ، ص ۵۱۱ .

16.الصافي ، ج ۱ ، ص ۸۷ .

17.تفسير القمي ، ج ۱ ، ص ۲۹ .

18.سورة النبأ ، الآيتان ۱ ـ ۲ .

19.الصافي ، ج ۵ ، ص ۲۷۳ .

20.عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج ۱ ، ص ۹ ، ح ۱۳ .

21.سورة زخرف ، الآية ۴ .

22.الصافي ، ج ۴ ، ص ۳۸۴ .

23.معاني الأخبار ، ص ۳۳ ، ح ۳ .

24.سورة لقمان ، الآية ۲۰ .

25.الصافي ، ج ۳ ، ص ۲۹۹ ؛ كشاف القناع ، ج ۳ ، ص ۲۸ ؛ معاني الأخبار ، ص ۲۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۶ ، ص ۸۶ ؛ نور الثقلين ، ج ۳ ، ص ۳۶۷ .

26.تفسير القمي ، ج ۲ ، ص ۵۷ ؛ البرهان ، ج ۳ ، ص ۲۹ ؛ حلية الأبرار ، ج ۱ ، ص ۲۴۴ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۶ ، ۸۵ ، ح ۲ .

27.سورة طه ، الآيتان ۱ ـ ۲ .

28.الصافي ، ج ۴ ، ص ۲۴۴ .

29.معاني الأخبار ، ج ۲۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۶ ، ص ۸۶ ، ح ۴ .

30.الصافي ، ج ۱ ، ص ۳۱۸ .

31.الكافي ، ج ۱ ، ص ۴۱۵ ، ح ۱۴ .

32.تفسير العياشي ، ج ۱ ، ص ۱۶۲ ، و انظر : الصراط المستقيم ، ج ۱ ، ص ۲۹۲ .

33.الصافي ، ج ۵ ، ص ۶۷ .

34.تفسير القمي ، ج ۲ ، ص ۳۲۷ .

35.يريد دعاء العديلة .

36.سورة الذاريات ، الآيات ۷ ـ ۹ .

37.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۹۷ ؛ تاج العروس ، ج ۷ ، ص ۱۷۷ .

38.الصافي ، ج ۵ ، ص ۶۹ .

39.الكافي ، ج ۱ ، ص ۴۲۲ ، ح ۴۸ .

40.الصافي ، ج ۵ ، ص ۳۶۰ .

41.بحار الأنوار ، ج ۲۱ ، ص ۶۸ .

42.سورة العاديات ، الآية ۲ .

43.تفسير القمي ، ج ۲ ، ص ۴۳۸ ؛ تفسير فرات الكوفي ، ص ۶۰۲ ؛ الصافي ، ج ۵ ، ص ۳۶۵ ؛ بحار الأنوار ، ج ۲۱ ، ص ۷۳ .

44.الصافي ، ج ۵ ، ص ۳۴۶ .

45.الخصال ، ص ۲۲۵ .

46.معاني الأخبار ، ص ۳۶۴ ، ح ۱ .

47.الصافي ، ج ۵ ، ص ۳۴۶ .

48.مناقب آل أبي طالب عليهم السلام ، ج ۱ ، ص ۲۵۹ .

49.سورة طه ، الآية ۱۸ .

50.سورة طه ، الآية ۱۷ .

51.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۰۸ .

52.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۵۹ ، باب ۲۴ .

53.مجمع البحرين ، ج ۲ ، ص ۱۸۹ مادة «رضو» .

54.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۵۸ قال : و «ذو طوى» موضع قرب مكة .

55.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۵۳ ، ح ۷ .

56.الغيبة للطوسي ، ص ۱۶۳ ، ح ۱۲۳ .

57.كمال الدين ، ص ۳۲ ؛ الصراط المستقيم ، ج ۲ ، ص ۲۶۸ ؛ مدينة المعاجز ، ج ۵ ، ص ۳۸۰ .

58.كمال الدين ، ص ۳۴ ؛ بحار الأنوار ، ج ۴۷ ، ص ۳۱۷ ؛ بشارة المصطفى ، ص ۴۳۰ .

59.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۳۴۱ ، ح ۹۱ .

60.تفسير العياشي ، ج ۲ ، ص ۵۶ ، ح ۴۹ ؛ و انظر : الغيبة للنعماني ، ص ۱۸۲ .

61.بحار الأنوار ، ج ۵۱ ، ص ۲۲۴ ، ح ۱۰ .

62.لم نجده في الكافي ، و نقله في كمال الدين ، ص ۳۵۱ ، ح ۴۶ ؛ و انظر : معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ، ج ۳ ، ص ۳۹۶ ـ ۳۹۷ .


ميراث محدث اُرموي
106
  • نام منبع :
    ميراث محدث اُرموي
    المساعدون :
    الاشكوري، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87123
الصفحه من 384
طباعه  ارسل الي