119
ميراث محدث اُرموي

ميراث محدث اُرموي
118

الإعراب :

قوله : « بنفسي أنت من مغيَّب » الخ . قد مر في الفصل السابق إعراب « بنفسي أنت » و أمثاله ، و الكلام هنا في بيان « مِن » في « مِن مغيَّب » ، فربما تخيّل كون «من» تجريدية ، كالباء التجريدية في « لقيت من زيد أو بزيد أسدا » . و التجريد من جملة المحسَّنات البديعية المذكورة في علم البديع ، و هو ـ على ما قاله في التلخيص ـ أن ينتزع من أمر ذي صفة مثله فيها مبالغة لكمالها فيه ، نحو قولهم : « لي من فلان صديق حميم » و غير ذلك من الأمثلة ، فقد انتزع من زيد صفة الشجاعة التي هي أظهر أوصاف الأسد بل تمام ملاك الأسدية ادعاءً ، فكأن من لقي شجاعا لقي أسدا . و كذلك قد انتزع من فلان أظهر أوصافه و هو الصداقة ، و صح التعبير بالصديق عن هذه الصفة من قبيل « شعر شاعر » .
هذا ، و لكن المعمول دخول « من » في موارد التجريد على المنتزع منه لا على المنتزع ، ففي المقام قد دخل « من » على المغيَّب و هو المنتزع ، فالظاهر عدم كونه من باب التجريد ، بل « من » في أمثال المقام من قبيل الداخلة على التميز في موارد رفع الإبهام عن النسبة ، كما في قولك : « للّه درَّه فارسا » أو « من فارس » ، و قال الشاعر على ما في شرح الرضي ۱ :
للّه درّ أنوشِرْوان من رجلٍما كان أعرفُه بالدُّونِ و السفل
فإن نسبة در زيد إلى اللّه المستلزم لفرط العجب منه محتمل لاُمور من حيث الاتصاف بصفات الكمال من الشجاعة أو الكتابة أو النطق أو العلم أو غير ذلك ، فالتعقيب بالفارسية يرفع الإبهام ، و كان العجب ناش منه ، فصح التعبير بكون « من » ابتدائية أو نشوية في هذه المقامات و في الشعر العربي ، و إن كان مدخول « من » لمجرده ليس منشأ للعجب ، و لكن
بضميمة ما بعده من الوصف منشأ للعجب ، كما أن المستفاد من قوله : « بنفسي أنت » كون المخاطب محبوبا للمتكلم و ممدوحا له ؛ كما سبق في الفصل السابق أن أمثال هذه العبارات من قبيل إنشاء المدح و إظهار المحبوبية ، و هو أمر مبهم من حيث الجهة ، فهل هي العلم أو الشجاعة أو السخاوة أو غير ذلك ، فالتعقيب بقوله : « من مغيَّب لم يخل منا » يرفع الإبهام بأن محبوبيته لأجل الغيبة ، و لكن ليس مجرد الغيبة منشأ المدح بل بضميمة الوصف ، و هو عدم الخلو منا ، يعني إنّ لطفه و رأفته على الشيعة بحيث إنه مع غيبته و بُعده لا يرفع نظره عنا ؛ بل لولاه لساخت الأرض بأهلها ، و لغارت الأنهار ؛ كما عرفت سابقا أن عوائد تصرفه ممنوعة عنا لا فوائد وجوده .
فإن قلت : و أيّ معنى في « نازح ينزح عنا » يكون منشأ المدح و المحبوبية ، مع أن النزح بمعنى البُعد و لا حسن في البُعد .
قلت : لعل النظر فيه إلى القيد الأخير ، فإن بُعده ـ عجل اللّه تعالى فرجه ـ عنا لتقصيرنا و عدم استعدادنا لتشرف خدمته ، فالبُعد عنا حينئذ بُعد في اللّه و بغض في اللّه ، و هو منشأ المدح و المحبوبية بالنسبة إليه من حيث كونه في حركاته و سكناته به سبب رضاء خالقه و صانعه .
قوله : « اُمنية شائق تمنّى » ظاهر سياق العبارات الاُخر دخول « من » على الاُمنية ، و لكن في النسخ الموجودة خالية عنها ، فهو من قبيل « للّه درَّه فارسا » ، و الإضافة لا تفيد التعريف ؛ لكونها إلى النكرة .
قوله : « من مؤمن و مؤمنة » بيان للشائق ، و جملة « ذكرا » صفة لهما مع عطف جملة « حنّا » بألف التثنية عليها ، والفاء للترتيب مع السببية ، فإن الذكر سبب الحنين .
قوله : « أن اُجاب دونك و اُناغى » . دونك ظرف بمعنى مكانك . و توهَّمَ بعضٌ إذ جعله بمعنى عند نظرا إلى بعض مواضع استعماله ، مثلاً في الخبر : المقتول دون اللّه شهيد ۲ أي عند اللّه ، و لكن ليس المراد مطلق العندية ، بل الأنسب على هذا المعنى أن يكون الأمر بالعكس ؛ فإنّ المقتول عند اللّه لعدم كونه غريبا ليس كالمقتول أو الميت في بلاد الغربة ، فالمناسب إذا أن يكون الغريب أشد ثوابا و أجرا . فالغرض هو معنى البدلية و المكانية ، يعني : إنّ المقتول في مقام الحماية والدفاع عن أهله و ناموسه بمنزلة الشهيد .
قوله : « هل من معين فاُطيلَ معه » بنصب اُطيل ، بتقدير أن ؛ لكونه بعد فاء السببية في جواب الأشياء الستة و منها الاستفهام ، كما في قولهم : « هل تنزل بنا فتصيب خيرا منّا ؟ » ، و كذلك الأمر في « فاُساعدَ » و غيرها .
قوله : « و قد نشرت » الجملة حالية من الكاف في « نراك » . و الظاهر أن تُرى بصيغة المجهول أيضا حال منه ، أي نراك مرئيا للعموم لا بالخصوص ، كما في زمان الغيبة الصغرى بالنسبة إلى سفرائه المخصوصين .

1.شرح الرضي على الكافية ، ج ۲ ، ص ۶۱ ، رقم الشاهد ۲۰۴ .

2.في مجمع الزوائد ، (ج ۶ ، ص ۲۴۵) : المقتول دون ماله شهيد .

  • نام منبع :
    ميراث محدث اُرموي
    المساعدون :
    الاشكوري، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87090
الصفحه من 384
طباعه  ارسل الي