141
ميراث محدث اُرموي

ميراث محدث اُرموي
140

الخاتمة

اعلم أن «البداء» بمعنى الظهور لغة ، و في الاصطلاح : ظهور شيء و انكشافه للشخص بعد خفائه ، كما قيل : إنه استصواب شيء غير الأول .
و هذا المعنى مستحيل على اللّه تعالى ؛ لاستلزامه الجهل ، و الباري تعالى منزَّه عنه ، مع أنه ورد في أحاديث الفريقين : ما عُظِّم اللّه ُ بمثل البداء ۱ ، و كذا في الخبر : ما بعثَ اللّه ُ نبيا حتى يُقرَّ له بالبداء ۲ .
فهذا البداء بمعنى القضاء المجدَّد في كل يوم بما لم يكن ظاهرا للخلق ، بل كانوا ينتظرون خلافه ، كما في الخبر عن الصادق عليه السلام : ما بدا للّه في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني۳ ، حيث كان الناس ينتظرون إمامته بعد أبيه لكبره و محبة أبيه له ، فخاب ظنونهم بموته قبل أبيه .
و لا يخفى أن البداء بهذا المعنى في مقابل قول اليهود ، حيث قالوا : قد جفّ القلم ، و قد فرغ اللّه عن الأمر ، مع أنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، و هو كل يوم في شأن ، «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ»۴ يفعل ما يشاء ، و هو على ما يشاء قدير .
فالبداء في التكوينيات كالنسخ في الأحكام ، فكما أن النسخ تغيير حكمٍ ظاهره الاستمرار حسب مراعاة مصلحة الوقت ، فكذلك البداء .
و هذا لا ينافي علم اللّه تعالى في الأزل ؛ فإنه في اللوح المحفوظ ، و أما لوح المحو و الإثبات فربما يكون المقدَّر فيه قابلاً للتبدل بالزيادة و النقصان و تغيير الشكل ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : لو لا آية في كتاب اللّه : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَـبِ»۵
لأخبرتكم بما كان و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة .
فإذا عرفت ذلك فاعلم : أن علامات ظهور حجة العصر ـ عجل اللّه تعالى فرجه ـ بعضها غير محتومة قابلة للبداء ، و بعضها محتومة ؛ ففي البحار ۶ عن الكافي عن عمر بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، و السفياني ، و الصيحة ، و قتل النفس الزكية ، و الخسف بالبيداء .
و فيه ۷ عنه أيضا عن الثمالي قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إن أبا جعفر كان يقول : إن خروج السفياني من الأمر المحتوم . قال لي : نعم ، و اختلاف ولد العباس من المحتوم ، و قتل النفس الزكية من المحتوم ، و خروج القائم من المحتوم . فقلت له : فكيف يكون النداء ؟ قال : ينادي مناد من السماء أول النهار : ألا إن الحق في علي و شيعته ، ثم ينادي ابليس ـ لعنه اللّه ـ في آخر النهار : ألا إن الحق في السفياني و شيعته ، فيرتاب عند ذلك المبطلون . انتهى .
فالمستفاد من هذه الأخبار أن بعض العلامات محتومة غير قابلة للبداء ، كما أن أصل خروج القائم عليه السلام أيضا من المحتومات غير قابلة للبداء . و لكن التوقيت ربما كان قابلاً للبداء ؛ كما يُستفاد من جملة من الأخبار ، كما في البحار ۸ عن غيبة الطوسي « قده » ۹ عن الثمالي قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إن عليا كان يقول : إلى السبعين بلاء ، و كان يقول : بعد البلاء رخاء ، و قد مضت السبعون و لم نر رخاءً ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : يا ثابت ، إن اللّه تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلما قُتل الحسين اشتد غضب اللّه على أهل الأرض ، فأخّر إلى أربعين و مئة سنة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث و كشفتم قناع الستر فأخره اللّه ، و لم يجعل له بعد ذلك و قتا عندنا ،«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَـبِ»۱۰ . قال أبوحمزة : و قلتُ ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال : قد كان ذلك . انتهى .
بل يظهر من بعض الأخبار تكذيب التوقيت و النهي عنه ، كما في البحار ۱۱ عن غيبة
النعماني ۱۲ عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له : جُعلت فداك ، متى خروج القائم ؟ فقال : يا أبا محمد ، إنا أهل البيت لا نوقّت و قد قال محمد صلى الله عليه و آله : « كذب الوقّاتون » ، يا أبا محمد إن قدّام هذا الأمر خمس علامات : أولهن النداء في شهر رمضان ، و خروج السفياني ، و خروج الخراساني ، و قتل النفس الزكية ، و خسف بالبيداء . ثم قال : يا أبا محمد ، إنه لا بدّ أن يكون قدّام ذلك الطاعونان : الطاعون الأبيض ، و الطاعون الأحمر . قلت : جُعلت فداك أي شيء الطاعون الأبيض؟ و أي شيء الطاعون الأحمر ؟ قال : الطاعون الأبيض الموت الجارف ، و الطاعون الأحمر السيف ، و لا يخرج القائم حتى ينادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث و عشرين ليلة جمعة . قلت : بم ينادى ؟ قال : باسمه و اسم أبيه ؛ ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد ، فاسمعوا له و أطيعوه ، فلا يبقى شيء خَلَقَ اللّه فيه الروح إلا سمع الصيحة ، فتوقظ النائم و يخرج إلى صحن داره ، و تخرج العذراء من خدرها ، و يخرج القائم مما يسمع ، و هي صيحة جبرئيل . انتهى .
هذا كله ، و لكن ورد في بعض الأخبار ما يستفاد منه التوقيت :
منها : رواية أبي لبيد المروية في البحار ۱۳
عن تفسير العياشي ۱۴ عن الباقر عليه السلام ، و نحن أغمضنا عن ذكرها ؛ لإجمال و اضطراب فيها .
و منها : رواية بخط مولانا العسكري عليه السلام المروية في البحار ۱۵ عن كتاب المحتضر للحسن بن سليمان تلميذ الشهيد ، و حيث إنّ المنقول في البحار عن المحتضر مختصر ۱۶ ، و تمام الحديث منقول في أواخر كتاب بشارة الشيعة للفيض « قده » هكذا : قد صعدنا ذُرى الحقائق بأقدام النبوة و الولاية ، و نوّرنا سبع طبقات أعلام الفتوى بالهداية ، فنحن ليوث الوغى و غيوث الندى و طعناء العدى ، و فينا السيف و القلم في العاجل ، و لواء الحمد في الآجل ، و أسباطنا حلفاء الدين و خلفاء النبيين و مصابيح الاُمم و مفاتيح الكرم ، فالكليم ألبس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، و روح القدس في جنان الصاغورة ذاق من حدائقنا الباكورة ، و شيعتنا الفئة الناجية و الفرقة الزاكية ، صاروا لنا رواءً و صونا ، و على الظلمة ألبا و عونا ، و سينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام «الم و طه و الطواسين » .
وقد نقل هذه الرواية في علائم الظهور للفاضل الكرماني عن الفاضل المرندي في مجمع النورين ۱۷ ، و لكن في آخره كذلك: لتمام الروضة و الطواسين من السنين . و قد فهم من « الطواسين » مسميات تلك السور من دون عدّ واو العاطفة واللام في « الطواسين » ، و التاء في « الروضة » هاء هوز . إلى غير ذلك من التكلفات ، و قد وافق حسابه سنة ألف و ثلاثمئة و تسع و عشرين ( 1329 ) بهذا التقريب في المحاسبة :
1000رض 30ل 12اوهـ 27ط ط ط 180س س س 80م م 1329جمع
و الفاضل الكرماني بعد حذف لام التعريف كليهما و كذا واو العطف قد استخرج الحساب من ملفوظي كل حرف على طبق سنة ثمان و ثمانين و ثلاثمئة و ألف من الهجرة ، و حسابه هكذا :
( راء واو ضاد هاء طاء واو الف سين نون )
و لا يخفى أن الحساب لا يتم إلا بعدّ الحروف المسرورية ثلاثية كالملفوظية ، و إن كان هذا خلاف اصطلاح المشهور ؛ فإنّ علماء الحروف قد قسموها على ثلاثة أقسام ؛ لأنها إما ثنائية أو ثلاثية ، فمثّلوا للثنائية بمثل «با تا طا ـ الخ» و سموها مسرورية، أما الثلاثية فإن كانت متجانسة بالصدر و الذيل كالميم و النون و الواو فتسمى المكتوبية، و إلا فملفوظية كالدال و الجيم.
و كيف كان فالأوقات المضروبة في هذه الرواية ـ على ما فهمه الفاضلان المذكوران ـ مضافا إلى أن الأول قد مضى و لم يظهر منه عليه السلام أثر ، و الثاني بعيد لا نرضى به لما بعد و تأخر مبنية على كون النسخة « روضة » ، و الذي نقلناه من نسخة البحار و نسخة الفيض « قده » خلافه ، و هو الأنسب للسياق ؛ حيث إن « الروضة » لا تناسب فواتح السور .
و من المحتمل قريبا ـ بل هو الظاهر ـ الاشتباه في الخبر ؛ لكونه من قبيل المكاتبات ، و اللفظان مشتبهان في الخط ؛ فإن « الروضة » تشبه « الم و طه » ، [ لا ]سيما إذا كتب الميم ريحانيا و لم يتبين رأسه المدور ، كما لم يتبين ألف الطاء المؤلفة .
والذي يناسب في تعيين الوقت و ذكر معنى الخبر ما ذكره الفاضل الخبير الحاج نجم
الممالك زيد إقباله في صدر تقويم سنة 1343 بعنوان «القابل لتوجه العموم» ، و قد نقلتُ عبارته بالعربية ، قال :
لعلماء فن النجوم قواعد في القرانات كما قاله بطلميوس في ثمرة الفلك ، و أوقع القرانات أثرا قران المشتري و زحل ، و لكنا نعتقد أن أوضاع العلويات آثار لا مؤثِّرات ؛ إذ لا مؤثِّر في الوجود إلا اللّه تعالى ، و يتفق أصغر القرانات في كل تسع عشرة سنة أو عشرين ، منها ما وقع في سنة 881 الناقصة الرومي و سنة 750 الفرانسوي في برج العقرب ، و كان دالاً على ملة الإسلام ، فلم يلبث أن طلع نجم السعادة خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ، و في سنة 1319 وقع قران أصغر في برج الجدي فلم يمض مدة حتى وقع الحرب بين الروس و الژاپون ( اليابان ) ، و منها القران الواقع في شهر محرم سنة 1340 الهجرية في برج السنبلة .
و قد رقم الحقير نظرياتي من دلائل التسييرات و الانتهارات في تقويم تلك السنة ، و أنه لا يخلو العالم من الانقلاب و سفك الدماء و هدم العمارات و سوق الجيوش و ذلة بعض السلاطين و ضعف في الإسلام و كثرة الجور إلى سبع سنين ، ففي سنة 1347 يتسلط شخص عظيم مؤيَّد من عند اللّه و ينقاد له الجبابرة طوعا أو كرها ، و يصح حال العامة و تعمير البلاد .
و في السنة الماضية في سفر الحج لقيتُ واحدا من أجلة العلماء المتشرعين ، فتذاكرنا في هذا الموضوع ، فقال العالم : قد رأيت في كتاب الدرة الباهرة في الأصداف الطاهرة للشهيد المكي رواية أن العسكري عليه السلام قال في مجلس تعزية أبيه الهادي عليه السلام لرجل من شيعة أبيه بعد إظهاره الحزن و الكآبة من جور الحكام و السلاطين في مقام التسلية ، فقال بعض الكلمات إلى أن قال : و سينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام « الم و طه وطواسين » من السنين . انتهى .
فأخذنا العدد الكبير و الوسيط و الصغير و المجموع حسب رأي العالم فلم يطابق المستخرجة ، فتوسلتُ تلك الليلة فانتقلتُ إلى المطلب ، فأصبحت و قد أخذت الزبر و البينات فوجدتها موافقة للمستخرجة ، فأخبرت العالم و رفقائي فكتبوه ، و ها أنا أرقمه في هذا التقويم لأحبتي و إخواني بحيث يلتفت إليه كل أحد ، فزبر الحروف ( 252 ) و بيناتها ( 841 ) و مجموعها ( 1093 ) ، و كان قد مضى يوم إخباره عليه السلام من الهجرة ( 254 ) ، فمجموع الأعداد ( 1347 ) ، فهو المطلوب . و ليس واو العطف جزء الحروف في الحساب ، فيطابق
ذلك ما استخرجه الخواجة نصير الدين الطوسي « قده » على ما نقله المرحوم المحدث النوري ـ طاب ثراه ـ في النجم الثاقب :
( در دور زحل خروج ) مهدى است( جرم و دجل و دجاليان است )
( در آخر واو و اول زاء )چون نيك نظر كنى همان است )
انتهى ما في التقويم .
أقول : و قد خطر ببالي في الحساب و جهان ، كل منهما خلاف الظاهر من وجه :
فالأول : أن يحاسب الزبر أولاً كما أشار إليه و عيّن مقداره مئتين و اثنين و خمسين ( 252 ) ، و الحساب هكذا : فإن « ا ل م ط هـ ا ل ط و ا س ى ن » مجموع الآحاد اثنان و ثلاثون ، و مجموع العشرات مئتان و عشرون ، ثم تؤخذ البينات لهذه الحروف مع الزبر أيضا ، فيتم العدد المعطى ( 841 ) ؛ حيث إن الزبر لكل حرف أول الملفوظ ، و البينات هي البواقي ، و هو الحروف ، بينات الحروف « ل ف ا م ى م ا ا ل ف ا م ا ا و ل ف ى ن ا و ن » السابقة آحادها تسعة ، عشر ، و العشرات خمسمئة و سبعون ، و المجموع ( 589 ) ، و بعد زيادة الزبر فالمجموع ثمانمئة و واحد و أربعون هكذا :841579 ، أما كونه خلاف الظاهر فإن ظاهر العبارة المحكية كون البينات ( 841 ) لا مع الزبر .
أما الوجه الثاني : فهو أبعد من الوجه الأول ، و هو أن يلاحظ الألفان في « طه » كل واحد ملفوظا مستقلاً ، و كذا يحاسب الواوان للعطف ، مضافا إلى أن بينات الطاء و الهاء و الياء اثنان لا واحد ؛ لأن ملفوظ الطاء في اللسان العربي بالألفين ، و كذا الياء و الهاء ، فيتم الحساب حينئذ .
و بعبارة اُخرى : فإنا نحتاج في إتمام العدد إلى اثنين و خمسين و مئتين ، فالألفان الملحوظان في « طه » بالاستقلال مئتان و اثنان و عشرون ، و الواوان ستة و عشرون ، و بزيادة الأربعة لأجل همزات أواخر الطاء و الياء و الهاء يتم عدد مئتين و اثنين و خمسين .
أما كونه خلاف الظاهر فمن وجهين :
أحدهما : أن الزبر بعد زيادة واوي العطف و الهمزتين في ألف الطاء و الهاء يصير المجموع مئتين و ستة و ستين و قد عدها ( 252 ) .
و ثانيهما : أن واوي العطف قد أخرجهما عن الحساب ، و على ما ذكرنا فهما داخلان في
الحساب . إلا أن يُعتذر عن ذلك بإمكان التباس أداة الإثبات بأداة السلب في الفارسية ؛ فإن اللفظين متشابهان في الخط « هست » و « نيست » .
ثم لا يخفى : أن الذي كان يلزم حسب الوظيفة المناسبة لعلم النجوم أن يبين المقصود من الشعر المنسوب إلى الخواجة « قده » ، و لكنه كما قال الشاعر :
از بس كه منعكس شده اوضاع روزگاركبك از محيط خيزد و ماهى ز كوهسار
لم يحم حول بيانه . نعم قد تعرض الفاضل الكرماني في كتابه « علائم الظهور » بما حاصله :
إن زحل يتم الدورة في واحد و عشرين و نصف سنة إلا يوما ، و لفظ « زحل » خمس و أربعون ـ قال ـ : إنه مضى من الهجرة في زمان تأليف الكتاب ـ و هو سنة الثلاثين و ثلاثمئة و ألف ـ الخمس و أربعون ، و دخلنا في السادسة و الأربعين ، فبين الست و السبع ـ كما هو مفاد « در آخر واو اول زاء » ـ رجاء الراجين .
و لا يخفى أن هذا الحساب لا يوافق ما ذكره ، بل يكون المجموع تسعمئة و اثنان و عشرون سنة و نصفا ، و أين هذا مما رامه . مع أن مسير زحل ليس على ما ذكره ، بل في كل يوم و ليلة دقيقتان ، و في كل سنة اثنتا عشرة درجة تقريبا ، ففي كل ثلاثين سنة تتم الدورة تقريبا ، فيوافق الحساب سنة خمسين و ثلاثمئة و ألف . و هو قريب مما نقل عن المرحوم الميرزا محمد الأخباري : أن تاريخ ولادته « نور » ، و تاريخ غيبته « سر » ، و تاريخ ظهوره « ظهور الحق » ، و هو يوافق « ظ هـ و ر ا ل ح ق ق » سنة خمسين و ثلاثمئة و ألف ، أو تسع و أربعين من جهة الألف المكتوبة غير الملفوظة .
و لا يخفى أن توجيه الفاضل الكرماني لبيت الخواجة في باب التوقيت ـ كما عرفت ـ لا يطابق ما رامه على شيء من موازين الحساب أو النجوم ، كما أن توجيهه للبيت الآخر منه في مقام التوقيت حيث قال :
در الف و ثلاثين دو قران مى بينمدر مهدى و دجال نشان مى بينم
يا ملك شود خراب يا گردد دينسرى است نهان و من عيان مى بينم
أيضا لا يناسب و لا يوافق أصلاً من الاُصول و لا يطابق شيئا من الموازين ، و هذا عين
عبارته الفارسية : شايد معنى مصرع اول اين باشد : در الف و ثلاثين دو حرف قاف و راء را الآن مى بينم كه هزار و سيصد و سى مى گردد . انتهى . ضرورة سماجة هذا المعنى عند المتأمل الفطن المتدرِّب بأساليب الكلام ؛ إذ لا يقال حينئذ « د و ق ر ان » بل يك قران .
مع أن هذا لا يلائم النسخة الاُخرى ، على ما سيأتي حكايته منه في أواخر كتابه حيث قال ناقلاً عن جناب الميرزا جهانبخش المنجم باشي أن الصحيح « سه قران » و ما في الكشكول « دو قران مى بينم » غلط ، و المقصود أن في سنة ألف و ثلاثين شمسية المطابقة لسنة ألف و ثلاثمئة و تسعة عشر هجرية قمرية « أرى ثلاثة قرانات » ، و قد وقع في تلك السنة : القران الأول قران العلويين في برج الجدي في نصف شعبان 1319 ، و الثاني في شهر رمضان قران النحسين في برج الجدي أيضا ، و الثالث قران السعدين في شهر رمضان 1319 كما ذكرنا في تقويم تلك السنة .
و أما تعيين الخواجة « قده » سنة ألف و ثلاثين المنطبق على سنة اثنتين و عشرين و ثلاثمئة و ألف ، و قد وقع القران في سنة تسعة عشر ؛ لأن الخواجة قد لاحظ الحركة الوسطية و القران بحسب الحركة التقويمية و الحقيقية . انتهى .
و توجيه الانطباق : أنّ في كل اثنين و ثلاثين سنة شمسية تزيد سنة قمرية تقريبا ، فيكون ألف و ثلاثون شمسية ألفا و اثنين و ستين تقريبا ، و مع زيادة مئتين و ستين إلى الغيبة الصغرى ، فيصير : ألف و ثلاثمئة و اثنان و عشرون .
هذا ، و لكن الإنصاف أن يكون مراد الخواجة من القران غير هذا المعنى و أن تكون العبارة كما هي في غالب النسخ « دو قران » ، و هما المذكوران في ذيل العبارة : الأول قران المهدي والدجال ، و الثاني قران خراب الملك أو الدين على احتمال أو تعمير الدين على احتمال آخر ، و حيث إن سنة اثنتين و عشرين بعد ثلاثمئة و ألف قد مضت ، و لم يكن من المأمول خير عدا ما اتفق في هذه السنين من محاربة الروس مع الژاپون ( اليابان ) التي قد غيّرت جل السياسات المتخذة و شروع مقدمات انقلاب الممالك [ لا ] سيما إيران ، حيث استعدت من تلك الأزمنة لإظهار الحسيات الحاضرة و التي تسمى باسم « المشروطة » و تغيير السلطنة .
و لكنا لا نرضى من التوقيت و ضرب المدة في كلمات الأساطين بهذا المقدار ، فلعل
المراد ـ إن شاء اللّه ـ من الألف و الثلاثين في قول الخواجة السنون القمرية من الغيبة الكبرى ، و بانضمام ثلاثمئة و ثلاثين قبل الغيبة الكبرى يصير المجموع : ألف و ثلاثمئة و ستون ، و لكن مبدأ التاريخ من أول البعثة لا بدء ظهور الإسلام و طلوع نقطة التوحيد و بعد وضع ثلاثة عشر سنة قبل الهجرة ، فينطبق التاريخ على سنة ألف و ثلاثمئة و سبع و أربعين على ما استخرجه الحاج نجم الممالك ، على ما أشرنا إليه و كنا في صدد بيانه .
و يقرب منه البيت الثاني من رباعي السلطان الغ بيك الكوركانى ـ على ما في كشكول الشيخ ـ قال :
بينى تو « بغا » ملك مكدر گشتهدر وقت « غلت » زير و زبرتر گشته
در سال « غلب » اگر بمانى زندهملك و ملل و مذهب و دين برگشته۱۸
يمكن أن يكون المعنى : أنّ مقدمات الانقلاب في سنة ألف و واحد أو ألف ، بأن يكون الألف للإطلاق زائدا كما حكى ذلك الفاضل الكرماني في كتابه عن تقي الدين ابن أبي منصور فيما رواه من الخبر النبوي : إن صلحت اُمّتي فلها يوم ، فإن فسدت فلها نصف يوم . فقال : هذا اليوم من أيام الربوبية : «وَ إِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ»۱۹ ، فيكون المعنى أن مقدمات الانقلاب من ختام ألف سنة ، فيكون في ألف ثلاثين انقلاب أزيد و أشد كما قال : « در سال غلت زير و زبر تر گردد » ، فإن التاء للخطاب حتى قال أخيرا « در سال غلب » بالباء ـ أي في سنة ألف و ثلاثين ـ يزيد الانقلاب حتى يتغيّر الملك و المذهب والدين . و لا يخفى أن هذا أيضا بعد الغيبة الكبرى كما بيناه سابقا .
و مما يؤيد ما نحن بصدده من مزيد الرجاء في سنة سبع و أربعين و ثلاثمئة و ألف : أني حاسبت عدد الحروف في الآية الشريفة في سورة الصافات : «وَ إِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَــلِبُونَ »۲۰ فصار : ألف و ثلاثمئة و ستون ، و كان من المعلوم أن السورة مكية ، إلا أن الأسف كل الأسف أن المفسرين لا يزيدون على أن السورة الفلانية أو الآية الفلانية مكية أو مدنية من دون تعرض لسنة نزولها و تاريخ صدورها ، و قد فات بذلك جملة من الفوائد من حيث الناسخية و المنسوخية وغير ذلك ، إلا أني قد أخذت في ذلك ما في بعض الأخبار : أن
القرآن نزل مرة واحدة في أول البعثة على بيت المعمور أو على قلب الرسول صلى الله عليه و آله ، و لكنه لم يكن مأذونا في الإظهار إلا على التدريج . فعلى هذا فبعد وضع ثلاثة عشر سنة قبل الهجرة يبقى سبع و أربعون بعد ثلاثمئة و ألف . رزقنا اللّه فيض لقائه و هدانا بطول بقائه .
و يؤيد ما ذكرنا أيضا ما في ينابيع المودة ۲۱ من ثلاثة أبيات عربية في التوقيت ، قال :
و في يمن أمن يكون لأهلهاإلى أن ترى نور الهداية مقبلا
بميم مجيد من سلالة حيدرو من آل بيت طاهرين بمن علا
يسمى بالمهدي من الحق ظاهربسنّة خير الخلق يحكم أولا
فإنّ لفظ « المجيد » عدده سبع و خمسون إذا نقص تارة من جملة « سلالة حيدر » و اُخرى من جملة « آل بيت طاهرين » يعني بعد وضع مئة و أربعة عشر من ألف و أربعمئة و واحد و خمسين يبقى ألف و ثلاثمئة و سبع و أربعون .
و حيث إن السنة و السنتين في أمثال تلك القضايا و التأسيسات و التبدلات بالتقدم و التأخر لا تضر التوقيت ، فلا بأس أن نذكر ما استنبطه بعض فلاسفة العصر و أهالي أروبا . . على ما نقلته بعض جرائد الانكليز المسماة بـ « روشنا » من استخراجات الكونت تولستوي بأشهُر قبل موته و كان أربع سنين قبل القضية المستكشفة ، قال :
إني أرى اشتعالاً عظيما في سنة 1913 م تقريبا ، و ابتداؤه من الممالك الجنوبية الشرقية ، فتشتعل تلك النار ، و تزيد على التدريج حتى تحيط بتمام أروبا في سنة 1914 ، و كأني أرى في هذه السنة تمام عرصة أروبا قطعة نار و دم ، و أسمع الأنين من عرصة المحاربة من المقتولين و المجروحين ، و لكن في سنة 1915 يظهر رجل غريب من ناحية الشمال كأنه نابليون الثاني ، فيدخل عرصة المحاربة و ليس هو بنظامي ماهر و لا كاتب قابل ، و لكن ستسخَّر له ممالك أروبا حتى يكون ختام هذه المحاربة الشديدة في سنة 1925 ابتداء قرن جديد في سياسة الدنيا ، و ترتفع الدول المختلفة من البين ، و يكون العالم على اختلاف مللها على حالة متحدة . انتهى .
و قد أصاب الفيلسوف فيما استخرجه مما بيده من الاُصول و القواعد أو من نقشات
( مخططات ) سياسة الدول أو غيرها ، من اشتعال النار مبتدئا من الجنوب الشرقي لأروبا ، حيث صار منشأ النزاع مبتدئا من دولة الصرب في محاربة الدول المعظمة ، ثم اشتد الأمر حتى قتل ملايين من النفوس لدواعي المتمدنين من دول كرة الأرض ، [ لا ] سيما الأروباويين المواظبين لتأسيس الأندية الخيرية و المريضخانجات الملية ( المستشفيات الوطنية ) لحفظ النفوس البشرية .
و كيف كان فقد اتفق أول المحاربة في سنة ( 1913 ) ميلادية المطابقة لسنة ( 1331 ) هجرية . و لعل ختام الأمر ـ إن شاء اللّه ـ على ما وعده الفيلسوف في الخامس و العشرين بعد الألف و تسعمئة المنطبقة على السنة الماضية ، فإن هذه السنة الحاضرة مطابقة لسنة ( 1926 ) ميلادية ، و سنة ( 1347 ) هجرية يتأخر عن الموعد بسنتين أو ثلاث سنين ، إلا أنه لا يُقدح في مثل تلك الاُمور ؛ ضرورة أن المقدمات تقع متدرجة قبل الأمر بسنين .
هذا كله مع أن الأمر أدق و أجل من التوقيت الحتمي ، بل قد عرفت أن أصل قيام الحجة ـ عجل اللّه تعالى فرجه ـ حتمي ، أما وقته فمما يقبل البداء ، و ما ورد في الأخبار من التوقيت فلأجل التحفظ على الشيعة رجاءهم ؛ كي لا يتبدل باليأس و القنوط بعد تحقق الامتحان و التثبت . بيان ذلك : أنّ الرجل مع اليأس لا يدعو و لا يتمنى في موضوع ذلك الشيء الذي يئس منه ، و أما مع الرجاء فيلتمس و ينتجي في موارد استجابة الدعاء لنيل مقصوده .
و حسبك في مطلوبية الدعاء في مثل ذلك الزمان : إما لبقاء الاعتقاد الراسخ و عدم التبدل بالكفر و الارتداد به سبب التأخير و طول مدة الفرج ، و إما للتعجيل في ذلك الأمر من باب اللطف و التفضل : ما ورد في بعض الأخبار من الحث و الترغيب على الدعاء :
منها : ما في البحار ۲۲ عن الكافي ۲۳ عن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : إن للقائم غيبة قبل أن يقوم . قلت : و لم ؟ قال : يخاف ـ و أومى إلى بطنه ثم قال ـ يا زرارة و هو المنتظر ، و هو الذي يشك الناس في ولادته ؛ منهم من يقول : هو حمل ، و منهم من يقول : هو غائب ، و منهم من يقول : ما و لد ، و منهم من يقول : قد ولد قبل و فاة أبيه بسنتين ، و هو المنتظر غير أن اللّه تعالى يحب أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون . قال زرارة : فقلت : جعلت فداك ، فإن أدركت ذلك الزمان فأيّ شيء أعمل ؟ قال : يا زرارة ، إن أدركت ذلك الزمان فالزم هذا الدعاء :
« اللهم عرّفني نفسك ؛ فإنك إن لم تعرّفني نفسك ( حجتك خ ل ) لم أعرف نبيك . اللهم عرّفني رسولك ؛ فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك . اللهم عرّفني حجتك ؛ فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني » .
و فيه ۲۴ عن الكافي ۲۵ أيضا عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : سيصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَم يُرى و لا إمام هدى ، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق . قلت : و كيف دعاء الغريق ؟ قال : تقول : « يا اللّه يا رحمن يا رحيم ، يا مقلب القلوب ، ثبِّت قلبي على دينك » . فقلت : « يا مقلب القلوب و الأبصار ، ثبت قلبى على دينك » . فقال : إن اللّه عز و جل مقلب القلوب و الأبصار ، و لكن قل كما أقول : « يا مقلّب القلوب ، ثبِّت قلبي على دينك » . انتهى .
و ظاهر هذين الخبرين أن الدعاء لأجل التحفظ في الاعتقاد و عدم وقوع الشك و الارتداد ، و لذا قال عليه السلام في الخبر الثاني : «إن اللّه تعالى و إن كان مقلب القلوب و الأبصار ، إلا أن الغرض في هذا المقام تثبيت القلب لا البصر» .
وأما احتمال التعجيل في الفرج و المبادرة في الأمر المقرَّر به سبب صدق الالتجاء و صميمية الدعاء ، فقد يُستفاد من خبر البحار ۲۶ عن تفسير العياشي ۲۷ عن الفضل بن أبي قرة قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : أوحى اللّه إلى إبراهيم أنه سيولد لك ، فقال لسارة ، فقالت : «ءَأَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ»۲۸ ، فأوحى اللّه إليه : إنها ستلد و يُعذَّب أولادها أربعمئة سنة ـ يردد الكلام عليّ ، قال : ـ فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجّوا و بكوا إلى اللّه أربعين صباحا ، فأوحى اللّه إلى موسى و هارون يخلصهم من فرعون ، فحطَّ عنهم سبعين و مئة سنة . قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : هكذا أنتم لو فعلتم لفرَّج اللّه عنا ، فأما إذ لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه . انتهى .
فقوله عليه السلام : « و هكذا أنتم لو فعلتم لفرَّج اللّه عنكم » صريح فيما نحن بصدده من دخل الدعاء و الالتماس و التضرع إلى حضرة الباري في تعجيل فرج مولانا صاحب الأمر ـ عجل اللّه فرجه ـ ، كما أن بني إسرائيل إذ تضرعوا إلى ذاته الأقدس فخفف اللّه عنهم و حطَّ عنهم مدّةً
من أيام مصيبتهم .
و قد بيّن تضرع بني إسرائيل و التخفيف عنهم بطريق أوضح في رواية اُخرى مروية في الأنوار في ضمن بيان ما هو المروي عن الباقر عليه السلام : إن لصاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء : سنّة من موسى ، و سنّة من عيسى ، وسنّة من يوسف ، و سنّة من محمّد صلى الله عليه و آله ؛ فأما من موسى فخائف يترقب ، و أما من يوسف فالسجن ، و أما من عيسى فيقال : «إنه مات» و لم يمت ، و أما من محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه و آله فالسيف۲۹. انتهى .
فكون موسى خائفا يترقب و خروجه من مصر إلى مَدْيَن و غيبته مدة مديدة ، في كلها مشابهات و مناسبات مع حجة العصر ، و قد روى السيد الجزائري في هذا الموضوع رواية عن النبي صلى الله عليه و آله قبل ذلك الخبر في أنواره ۳۰ ، قال : و أما غيبة موسى عليه السلام فقد روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنه : لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته و أهل بيته ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، ثم حدثهم شدة تنالهم يقتل فيها الرجال ، و تشق فيها بطون الحبالى ، و تذبح الأطفال ، حتى يظهر الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب ، و هو رجل أسمر طويل ـ و نعته لهم بنعته ـ فتمسكوا بذلك . و وقعت الغيبة و الشدة على بني إسرائيل و هم منتظرون قيام القائم أربعمئة سنة ، حتى إذا بُشِّروا بولادته ، و رأوا علامات ظهوره ، اشتدت البلوى عليهم ، و حُمل عليهم بالحجارة و الخشب ، و طُلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر ، فراسلهم و قالوا : «كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك» ، فخرج بهم إلى بعض الصحاري و جلس يحدِّثهم حديث القائم و نعته و قرب الأمر و كانت له فترة ، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه السلام ، و كان في ذلك الوقت حديث السن ، و خرج من دار فرعون يظهر النزهة ، فعدل عن موكبه ، و أقبل إليهم و تحته بغلة و عليه طيلسان خز ، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت ، فقام إليه و أكبّ على قدميه فقبَّلها ، ثم قال : «الحمد للّه الذي لم يمتني حتى رأيتك» . فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم ، فأكبُّوا على الأرض شكرا للّه عز و جل ، فلم يزدهم على أن قال : «أرجو أن يعجل اللّه فرجكم» . ثم غاب بعد ذلك و خرج إلى مدينة مدين ، فأقام عند شعيب ما أقام ، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الاُولى و كانت نيفا و خمسين سنة ، و اشتدت البلوى عليهم و استتر الفقيه ، فبعثوا إليه بأنه : «لا صبر لنا على استتارك» ، فخرج إلى
بعض الصحاري و استدعاهم و طيّب نفوسهم و أعلمهم أن اللّه عز و جلأوحى إليه أنه مفرَّج عنهم بعد أربعين سنة ، فقالوا بأجمعهم : الحمد للّه عز و جل . فأوحى اللّه إليه : قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم : الحمد للّه » . فقالوا : «كل نعمة من اللّه » . فأوحى اللّه إليه : «قل لهم : قد جعلتها عشرين سنة» . فقالوا : «لا يأتي بالخير إلا اللّه » . فأوحى اللّه إليه : «قد جعلتها عشرا» . فقالوا : «لا يصرف السوء إلا اللّه » . فأوحى اللّه إليهم : «قل : لا تبرحوا فقد أذنت في فرجهم» . فبينما هم كذلك إذ طلع موسى عليه السلام راكبا حمارا ، فأراد الفقيه أن يعرّف الشيعة ما يستبصرون به فيه ، و جاء موسى حتى وقف عليهم فسلَّم ، فقال له الفقيه : «ما اسمك ؟» فقال : «موسى» . قال : «ابن من» ؟ قال : «ابن عمران» . قال : «ابن من» ؟ قال : «ابن قاهت بن لاوي بن يعقوب» . قال : «بماذا جئت ؟» قال : بالرسالة من عند اللّه عز و جل . فقام إليه فقبّل يده ، ثم جلس بينهم و طيّب نفوسهم و أمرهم أمره ثم فرقهم ، و كان بين ذلك الوقت و بين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة .
انتهى .
أقول : و حيث إنّ له ـ عجل اللّه تعالى فرجه ـ مناسبات تامة و مشابهات كاملة بموسى بن عمران في : خفاء الولادة ، و عدم ظهور الحمل ، و مواظبة طواغيت العصر لإعدامه ، [ لا ] سيما في فرج الاُمّة به بعد الشدة و طول المحنة كما فُرّج عن بني إسرائيل بموسى عليه السلام ، فلذلك كله قد تلا الإمام و حجة العصر عند الولادة قبل كل شيء هذه الآية الشريفة في سورة القصص : «وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِى الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَ رِثِينَ * وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الْأَرْضِ وَ نُرِىَ فِرْعَوْنَ وَ هَـمَـنَ وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ»۳۱ .
فإذا عرفت من جميع ذلك أن للدعاء و الالتجاء و التضرع مدخلاً عظيما في رفع الغائلة و حصول الفرج و التوصل إلى المقاصد ، فتكون إذا من المصرّين على الدعاء و الالتجاء في أوقات الاستجابة و أشرف الأماكن ، [ لا ] سيما إذا كان له اختصاص به ـ عجل اللّه فرجه ـ ، كما في الجمعات بين الأيام و في السرداب الشريف بين الأمكنة ، كما نقل الفاضل القمي في هدية الزائرين استحباب قراءة دعاء الندبة السابق شرحه في السرداب على ما خرج في التوقيع من الناحية المقدسة إلى الحميري ۳۲ . كما يستحب فيه تلاوة دعاء آخر مروي و مأثور ۳۳ عن الحجة فيه أيضا لرجاء حصول المرام و نيل المقصود ، والدعاء هذا : « اللهم
عظم البلاء ، و برح الخفاء ، و انكشف الغطاء ، و ضاقت الأرض ، و منعت السماء ، و إليك يا رب المشتكى ، و عليك المعوَّل في الشدة و الرخاء . اللهم صل على محمد و آله الذين فرضت علينا طاعتهم ، فعرَّفتنا بذلك منزلتهم ، فرِّج عنّا بحقهم فرجا عاجلاً كلمح البصر أو هو أقرب من ذلك ، يا محمد يا علي يا علي ، يا محمد ، اُنصراني فإنكما ناصراي ، و اكفياني فإنكما كافياي ، يا مولاي يا صاحب الزمان ، الغوث الغوث الغوث ، أدركني أدركني أدركني » .

قوله : « برح الخفاء » البَرْح بالفتح فالسكون : الشدة .
قوله : « و انكشف الغطاء » إشارة إلى الافتضاح و ارتفاع الحجب و الحياء و عدم ملاحظة احترام الكبار ، أو ارتفاع قبح المعاصي في الأنظار لقلة النهي عن المنكر ، أو غير ذلك مما يناسب المقام .
قوله : « و ضاقت الأرض » يحتمل أن يراد بضيق الأرض شدة المحنة على الشيعة بحيث صارت الأرض الواسعة ضيقة عليهم . و لكن من المحتمل قريبا ـ بقرينة السياق و المقابلة مع « منعت السماء » ـ أن يراد بضيق الأرض عدم الإنبات و النمو الكاشف عن زوال البركة و سلب الرحمة ؛ إذ مقتضى الرحمة الإلهية و الألطاف الأزلية أن تجود السماء بالأمطار و الأرض بالنباتات و الأشجار ، و هو منع فتقهما في الآية الشريفة : «أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَـوَ تِ وَ الْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَـهُمَا»۳۴ ؛ على ما ذكر في الخبر ۳۵ عن الباقر عليه السلام : إن فتق السماء بقطرات الأمطار ، و فتق الأرض بنمو النباتات . فالضيق تعبير عن ضيق المنافذ بحيث لا تطلع النباتات منها .
قوله : « وإليك يا ربّ المُشتكى » تقديم الخبر لإفادة الحصر . و المشتكى مصدر ميمي ، كما أن « المعوَّل » فيما بعد أيضا مصدر ميمي بمعنى الاعتماد ، و تقديم خبره أيضا للحصر .
قوله : « كلمح البصر » استعارة عن قصر المدة ؛ إذ لمح البصر في أقل من ثانية بكثير ، فغرض القائل إعطاء الفرج في وقت أقصر من ذلك .
فإن قلت : المستفاد من هذه الروايات محبوبية الدعاء و طلب الفرج ، و لكن مفاد بعض
الروايات عدم الحسن في طلبه ، بل ربما كان الأساطين مانعين من الاستعجال و التمني قبل الوقت ؛ ففي البحار ۳۶ عن الخصال الأربعمئة ۳۷ قال أمير المؤمنين عليه السلام : انتظروا الفرج ، و لا تيأسوا من روح اللّه ؛ فإنّ أحب الأعمال إلى اللّه عز و جلانتظار الفرج .
و قال عليه السلام ۳۸ : مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة مُلك مؤجَّل ، و استعينوا باللّه و اصبروا ،«إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَـقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»۳۹، لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ، و لا يَطولنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم .
وقال عليه السلام ۴۰ : الآخذ بأمرنا معنا غدا في حظيرة القدس ، و المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل اللّه . انتهى .
فكيف التوفيق بين تلك الأخبار ؟
قلت : لعل النظر في الأخبار المانعة إلى طلب الفرج من دون استعداد الوقت و من دون تحصيل القابلية و الصلاحية في نفس الطالب ، كأكثر المنتظرين في زماننا هذا ، تراهم يجتمعون في المجالس و يقرؤون دعاء الفرج و كلمات الاستغاثة بألحان و هيئة جامعة ، و يغمضون في أموال الناس بأنواع الدسائس . نعوذ باللّه مما قال تعالى في كتابه : «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ»۴۱ . و لعمري هذا هو الذي قال عليه السلام : لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ... الخ ۴۲ .
و يعجبني في هذا المقام ذكر ما سمعته عن الشيوخ مذاكرة : أن واحدا من الانتظاريين كان يتمنى ظهور إمام العصر و يتوقع قدومه منذ دهر و سنين ، إلى أن رأى في بعض الليالي في عالم الرؤيا أن الحجة ـ عجل اللّه فرجه ـ قد ظهر و أشرق العالم بنور قدومه ، فتشرف الرجل بكمال الوجد و السرور خدمته عليه السلام منتظرا للتشريفات و أنواع التكرمة منه و لو بنصبه
حاكما لبلدة مثلاً و أمثال ذلك ، فقال عليه السلام : يا فلان ، أما دارك التي سكنت بها مغصوبة قد ابتعتها من فلان الغاصب فتردها إلى مالكها . فقال : «نعم يا بن رسول اللّه ، بأبي أنت و اُمّي سمعا و طاعةً» ، زاعما أنه قد تخلص بهذا المقدار ، و له في باقي الأموال نفوذ و اقتدار . ثم قال عليه السلام بعد ساعة : هذا الفرس الذي جئت فوقه أيضا مغصوب . فقال متجرعا غصصه : «سمعا و طاعة» . إلى أن آل الكلام إلى النسوان و الأولاد الحاصلين منها ، فقال عليه السلام : امرأتك الحالية اُختك الرضاعية ، و الأولاد الحاصلون منها أولاد شبهة . فلما سمع الرجل الانتظاري هذا الكلام ثقل عليه و لم يتكلم بكلمة إلا أن قال : «إني أرى إمامتك في هذه البلدة بهذا الطرز و العنوان صعبا و مستصعبا!» ، فعند ذلك استيقظ من منامه ، و تفطن لمقامه ، و استكشف سريرته من آخر كلامه . و نعوذ باللّه في عواقب الأمر ، و نسأله حسن ختامه .
فقد تبين من ذلك أن الاستعداد للتشرف بخدمته من أصعب الاُمور ، و درك فيض حضوره لأكثر أهل العصر معسور . أ تراه إذا ظهر و قال : «ما هذه الأسواق المضيقة بإحداث الدكائك أمام الحوانيت المانعة عن العبور! و ما هذه الشوارع المقصور عنها من الجوانب بإحداث الرواشن و الأجنحة و القصور!» ، فأمر بهدم الزيادات و إزالة البدع و المحدثات ، فهل ترضى نفسك بهذه التصرفات من دون أن تتكلم ببعض المهملات ، كما في الخبر : يأتي بحكم جديد على العرب شديد ۴۳ . أقول : بل على العجم أيضا شديد . فيقول جمع : «أنت لست ابن رسول اللّه ، و عليك أن تثبته ، و هذا ادعاء محض!» ، و يقول جمع عند ما يرونه يقتل كثيرا من أولاد بني اُميّة و ذراري قتلة الحسين عليه السلام : «إنه ليس من ولد رسول اللّه ؛ فانه كان رحمة للعالمين ، و هذا قسيّ القلب ، ليس في قلبه رقة ، يقتل الجماعات ، و يهدم العمارات!» إلى غير ذلك من الخرافات .
و السر في جميع ذلك أنه ـ عجل اللّه تعالى فرجه ـ لا يراعي التقية ، و لا يحكم بالظواهر من اليمين و البينة ، بل يقضي عين الواقع ، و لذا لا يرضى به أكثرُ الرعية . كما أن داوود ـ على نبينا و آله و عليه السلام كان يحكم بالظاهر بمقتضى أن : البينة للمدعي ، و اليمين على من أنكر ، و هو فصل الخطاب الذي قال تعالى في كتابه العزيز : «وَءَاتَيْنَـهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطَابِ»۴۴ ، و التمس ذات يوم الحكم بمتن الواقع ، و أصرّ في التماسه و استدعائه ، فاُجيب في سؤله ،
و اتفق أن شيخا تظلم إليه من فتى وجده في بستانه سارقا ، فأخذه و جاء به إلى داوود يتظلم ، فحكم داوود بمتن الواقع و قال للفتى : اُقتل الشيخ ، و تملك الحديقة ؛ هذا هو الحكم . فنادى الشيخ بأعلى صوته : «يا معشر بني إسرائيل ، هلموا إلى حكم الجور ، إني تظلمت إلى داوود في سارق حديقتي!» و هذا حاكم القضية عوض قطع يد السارق قد أمره بقتلي و تملك حديقتي . فاجتمع بنو إسرائيل و حاصروا داره ، فاختفى داوود لا يخرج من داره إلى ثلاثة أيام و هو يتضرع إلى اللّه ، و يلتمس منه السر في هذا الحكم و حكمة القضية . فأوحى اللّه إليه : يا داوود ، السر فيه أن هذه الحديقة كانت ملكا لأبي هذا الغلام قتله الشيخ في الحديقة و تملك الملك ، و الشاهد فيه أنه وارى السكين تحت الشجرة الفلانية ، و كذا جسد المقتول في المحل الفلاني . فأخبر داوود بني إسرائيل بذلك ، ففحصوا الموضع فوجدوا كما أخبرهم و تفرقوا . فأوحى تعالى إليه : يا داوود ، اُحكم بين الناس على الظاهر : «يَـدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ»۴۵ ، فعاد داوود إلى وضعه الأول ، و ما حكم بالواقع من حيث هو واقع ما لم يطابق أحد العناوين الشرعية الظاهرة .
كما أن نبينا صلى الله عليه و آله أيضا ما كان مأمورا بالحكم طبق الواقع ما لم يساعده شيء من العناوين ، و هكذا أمير المؤمنين عليه السلام . و ما اشتهر من قضايا أمير المؤمنين و أحكامه حتى قيل « قضية و لا أبا حسن لها » ۴۶ فإنما هو لأجل إعماله الكياسة و الفطانة الظاهرية لا لحكمه بعلم الإمامة . فالحكم بمتن الواقع و إلغاء العناوين الظاهرية مخصوص بحجة العصر ـ عجل اللّه فرجه ـ ، حتى أن حكامه و عماله في البلاد ينظرون في أكفهم في كل قضية ترد عليهم و يرون حكم المسألة منقوشة فيها ، فلا يحتاجون إلى البيّنة و لا إلى اليمين . و لذا تنسد المحاكم الغير الشرعية ، و يتعطل باب الوكالة و شهادة الزور و غير ذلك من أسباب الدخل لأكثر الناس .
و لأجل ذلك ترى أكثر أعدائه من أهل العلم ، حتى أن محيي الدين الأعرابي قال في فتوحاته المكية : » و أكثر أعدائه مقلاة أهل الاجتهاد ، و لو لا أن السيف بيده لأفتى أكثر العلماء بقتله» . و في بعض الروايات : أنه يضرب أعناق سبعين ألفا من هؤلاء بظهر الكوفة .
و من الواضح المعلوم أن الناس من عوامهم إلى خواصهم لا يتحملون غالبا لأحكامه و
معاملاته و عملياته ، و من جملة أحكامه على ما رواه الجزائري في الأنوار ۴۷ عن الصادق و الكاظم عليهماالسلام قالا : لو قد قام القائم لحكم بثلاث لم يحكم بهن أحد قبله : يقتل الشيخ الزاني ، و يقتل مانع الزكاة ، و يورّث الأخ في الأظلة . انتهى .
أقول : أمّا الأولان فواضح ، و أما الثالث فالمراد منه الأخ في عالم الأرواح ؛ لأنه كثيرا ما يعبَّر بالأظلة عن عالم المجردات ؛ لأن الظل موجود ليس بموجود كما أن المجرد كذلك . و في المجمع في « ظلل » عن الصادق عليه السلام : إن اللّه آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام ، فلو قام قائمنا أهل البيت ورّث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة و لم يورّث الأخ في الولادة۴۸. انتهى .
و يحتمل أن يكون هذا من مختصات حكمه كقتل مانع الزكاة ؛ فإن مستحل منعها أو المانع مع التعزير مرتين أو ثلاثا يُقتل مطلقا أو في الرابعة أو الثالثة ، و لكن قتل مطلق مانع الزكاة من مختصاته عليه السلام ، فكذلك توريث الأخ في عالم الأرواح دون النسبي .
و يمكن بعيدا تطبيقه على القواعد الشرعية الأولية ؛ فإن المؤاخي للشخص في عالم الأرواح هو الأخ الإيماني أو الإسلامي ، فالمعنى أن مطلق الاُخوة في الولادة و النسب لا ينفع في التوارث ما لم ينظم إليه الاتحاد في الإسلام أو الإيمان ؛ فإن الكافر لا يرث المسلم ، فالمعنى : أنّ الأخ لا يرث أخاه بمجرد الاُخوة النسبية ما لم يتحقق معها الاتحاد في الإيمان . و أما إرث المسلم من الكافر فهو تفضُّل من الباري في حقه ؛ فإن الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه .
إلا أن هذا التوجيه خلاف سياق الخبر ؛ حيث إنّ سياق الخبر ـ بقرينة الأولين ـ ذكر خارق العادات ، و على التوجيه المذكور فلا يكون خارقا و لا منافيا للقواعد الفقهية .
و كيف كان فقد تبين من جميع ذلك ما هو المقصود من الأخبار الناهية عن التعجيل في طلب الفرج و استدعاء ظهور حجة العصر عجل اللّه تعالى فرجه . و أما الأخبار الآمرة بالحث على الدعاء و الاستغاثة و الالتجاء ، فإنما الغرض منها طلب الاستعداد و القابلية و الصلاحية ، و كما أن الأمر بالشيء أمر بلوازمه و مقدماته ، فكذلك طلب الشيء طلب له
بلوازمه و مقدماته ، فدعاء الندبة و دعاء الفرج و أمثالهما كلها في مقام تمني الوصول إلى خدمته بعد حصول الاستعداد و القابلية .
و حيث إنا قد ذكرنا شرح دعاء الندبة و بعض الأدعية الاُخرى في زمان الغيبة ، أحببت إيراد دعاء آخر مروي في الأنوار عن مصباح السيد ابن طاووس « قده » ۴۹ عن الصادق عليه السلام قال : من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحا كان من أنصار القائم عليه السلام ، و إن مات قبل ظهوره أحياه اللّه تعالى حتى يجاهد معه ، و يُكتب له بعدد كل كلمة منه ألف حسنة ، و يُمحى عنه ألف سيئة ، و هو هذا ( المسمى بدعاء العهد ) : « بسم اللّه الرحمن الرحيم . اللهم رب النور العظيم ، و رب الكرسي الرفيع ، و رب البحر المسجور ، و منزل التوراة و الإنجيل و الزبور ، و رب الظل و الحرور ، و منزل القرآن العظيم ، و رب الملائكة المقرَّبين و الأنبياء و المرسلين . اللهم إني أسألك بوجهك الكريم و بنور و جهك المنير و ملكك القديم ، يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات و الأرضون ، و باسمك الذي يصلح به الأولون و الآخرون ، يا حي قبل كل حي ، يا حي لا إله إلا أنت . اللهم بلِّغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك ـ صلوات اللّه عليه و على آبائه الطاهرين ـ عن جميع المؤمنين و المؤمنات في مشارق الأرض و مغاربها و سهلها و جبلها و بِّرها و بحرها ، عني و عن والديّ ، من الصلوات زنة عرش اللّه ، و مداد كلماته ، و ما أحصاه علمه ، و أحاط به كتابه . اللهم إني اُجدّد له في صبيحة يومي هذا و ما عشت في أيام حياتي عهدا و عقدا و بيعة له في عنقي ، لا أحول عنها و لا أزول أبدا . اللهم اجعلني من أنصاره و أعوانه و الذابّين عنه ، و المسارعين إليه في قضاء حوائجه ، و الممتثلين لأوامره و نواهيه ، و المحامين عنه ، و السابقين إلى إرادته ، و المستشهدين بين يديه . اللهم إن حال بيني و بينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا ، فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهرا سيفي مجرِّدا قناتي ملبِّيا دعوة الداعي في الحاضر و البادي . اللهم أرني الطلعة الرشيدة ، و الغرة الحميدة ، و اكحل ناظري بنظرة مني إليه ، و عجِّل فرجه ، و سهّل مخرجه ، و أوسع منهجه ، و اسلك بي محجَّته ، و أنفذ أمره ، و اشدد أزره ، و قوّ ظهره . و اعمر اللهم به بلادك ، و أحي به عبادك ؛ فإنك قلت و قولك الحق :«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»۵۰فأظهر اللهم
لنا وليك ، و ابنَ وليِّك ، وابن بنت نبيك ، حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلا مزّقه ، و يحق الحق و يحققه . و اجعله اللهم مفزعا لمظلوم عبادك ، و ناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك ، و مجددا لما عُطِّل من أحكام كتابك ، و مشيِّدا لما ورد من أعلام دينك و سنن نبيك صلىّ اللّه عليه و آله ، و اجعله ممن حصَّنته من بأس المعتدين . اللهم سُرَّ نبيك محمدا صلىّ اللّه عليه و آله برؤيته ، و من تبعه على دعوته ، و ارحم استكانتنا بعده ، اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الاُمّة بحضوره ، و عجّل لنا ظهوره ،« إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَ نَرَاهُ قَرِيبًا »۵۱برحمتك يا أرحم الراحمين »
انتهى .
قوله : « المسجور » المملو .
قوله : « زنة عرش اللّه و مداد كلماته » الزنة بمعنى الوزن . و المداد قال في مجمع البحرين ۵۲ : أي مثل عدد الكلمات . أقول : و يمكن أن يُراد بمعنى الامتداد ، أي الانتهاء ، فيكون كناية عن عدم التناهي ؛ لأن كلماته تعالى غير متناهية ، كما أن العرش لعظمه كأنه لا يوزن .
قوله : « أزره » الأزر كالظهر لفظا و معنىً .
قوله : « و اكحل ناظريّ » أي أجْلِ ؛ فإنّ الكحل كما يجلي البصر ، فكذلك وجود الحجة تقرُّ به العيون .
قوله : « مجددا لما عُطِّل » الخ ، إشارة إلى ما سبق ذكره من أنه يزيل البدع ، و يجدد السنن المتروكة .
« الاستكانة » بمعنى الخضوع و التضرع .
و لا يخفى أن قوله : « اللهم اجعلني من أنصاره » إلى قوله : « والمستشهدين بين يديه » إشارة إلى ما ذكرنا من طلب الاستعداد و الصلاحية بخدمته .
جعلنااللّه من المستعدين لشرف لقائه، بحق أجداده الطاهرين، صلوات اللّه عليهم أجمعين .
و « خِتَـمُهُ مِسْكٌ وَ فِى ذَ لِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَـفِسُونَ »۵۳ ، و الحمد للّه أولاً و آخرا .
تمت الرسالة بيد مؤلفها علي بن علي الرضا الخوئي ، في سيم شهر شعبان 1345 .

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۴۶ ح ۱ ؛ التوحيد ، ص ۳۳۳ ، ح ۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۰۷ ، ح ۲۰ .

2.الكافي ، ج ۸ ، ص ۱۶۵ ، ح ۱۷۷ ؛ التوحيد ، ۳۳۴ ، ح ۶ ؛ بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۹۹ ، ح ۷ .

3.التوحيد ، ص ۳۳۶ ؛ مجمع البحرين ، ج ۱ ، ص ۱۶۸ مادة «بدا » .

4.سورة المائدة ، الآية ۶۴ .

5.سورة الرعد ، الآية ۳۹ .

6.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۲۰۴ ، ح ۳۴ ؛ كمال الدين ، ص ۶۵۰ ، ح ۷ .

7.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۲۰۶، ح ۴۰؛ كمال الدين ، ص ۶۵۲ ، ح ۱۴؛ الغيبة للطوسي ، ص ۴۳۵، ح ۴۲۵ .

8.بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۱۴ ، ح ۳۹ .

9.الغيبة للطوسي ، ص ۴۲۸ ، ح ۴۱۷ .

10.سورة الرعد ، الآية ۳۹.

11.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۱۹ ، ح ۴۸ .

12.الغيبة للنعماني ، ص ۲۸۹ ، باب ۱۶ ، ح ۶ ؛ و انظر : معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ، ج ۳، ص ۴۷۲، ح ۱۰۳۶.

13.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۰۶ ، ح ۱۳ .

14.تفسير العياشي ، ج ۲ ، ص ۳ ، ح ۳ ؛ الصافي ، ج ۱ ، ص ۹۰ .

15.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۲۱ ، ح ۵۰ .

16.إلاّ أنه روى العلامة المجلسي تمام الحديث في البحار ، ج ۲۶ ، ص ۲۶۵ ، ح ۴۹ .

17.مجمع النورين ، ص ۳۰۶ .

18.البيتان مع اختلاف في الألفاظ في مجمع النورين ، ص ۳۶۵ .

19.سورة الحج ، الآية ۴۷ .

20.سورة الصافّات ، الآية ۱۷۳ .

21.ينابيع المودة ، ج ۳ ، ص ۳۳۷ .

22.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۴۶ ، ح ۷۰ .

23.الكافي ، ج ۱ ، ص ۳۴۰ ، ح ۱۸ إلى قوله : «إلى بطنه» ، و ما بعده مرويّ في كمال الدين ، ص ۳۴۲ ، ح ۲۴ .

24.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۴۹ ، ح ۷۳ .

25.الصحيح : كمال الدين ؛ لاحظ : كمال الدين ، ص ۳۵۲ ، ح ۴۹ ؛ و عنه في غنائم الأيام ، ج ۲ ، ص ۴۲۱ و الصراط المستقيم ، ج ۲ ، ص ۲۲۸ .

26.بحار الأنوار ، ج ۱۳ ، ص ۱۴۰ ، ح ۵۷ .

27.تفسير العياشي ، ج ۲ ، ص ۱۵۴ ، ح ۴۹ .

28.سورة هود ، الآية ۷۲ .

29.الإمامة و التبصرة ، ص ۹۴ ، كمال الدين ، ص ۲۸ ، دلائل الإمامة ، ص ۴۷۰ ؛ الغيبة للنعمانى ، ص ۱۶۴ ؛ الغيبة للطوسي ، ص ۶۰ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵۱ ، ص ۲۱۷ .

30.و رواه الصدوق في كمال الدين ، ص ۱۴۵ ، ح ۱۲ ؛ و العلامة المجلسي في بحار الأنوار ، ج ۱۳ ، ص ۳۶ ، ح ۷ .

31.بحار الأنوار ، ج ۵۱ ، ص ۱۸ ، باب ۱ ، ح ۲۵ .

32.بحار الأنوار ، ج ۹۹ ، ص ۸۱ ، باب ۷ ، ح ۱ .

33.مزار ابن المشهدي، ص ۵۹۱؛ جمال الاُسبوع، ص ۱۸۱؛ بحارالأنوار، ج ۵۳، ص ۲۷۵ الحكاية الأربعين ، و ج ۸۸ ، ص ۱۹۱ و ج ۹۹ ، ص ۲۰ .

34.سورة الأنبياء ، الآية ۳۰ .

35.روضة الواعظين ، ص ۲۰۳ ، شرح اُصول الكافي للمازندراني ، ج ۱۲ ، ص ۹ ، طب الأئمة ، ص ۹۵ ؛ و عنه في مستدرك الوسائل ، ج ۱۵ ، ص ۲۰۵ ، باب ۷۹ ، ح ۱۸۰۲۵ .

36.بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۲۳ ، ح ۷ .

37.الخصال ، ص ۶۱۶ ؛ تحف العقول ، ص ۱۰۶ .

38.الخصال ، ص ۶۲۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۲۳ ، ح ۷ .

39.سورة الأعراف ، الآية ۱۲۸ .

40.الخصال ، الآية ۶۲۵ ؛ تحف العقول ، ص ۱۱۵ ؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان ، ص ۵۶۰ ، ح ۱۲۲۰ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۰ ، ص ۱۰۴ و ج ۵۲ ، ص ۱۲۳ ، ح ۷ .

41.سورة البقرة ، الآية ۴۴ .

42.الخصال ، ص ۶۲۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۰ ، ص ۱۰۰ و ج ۵۲ ، ص ۱۲۳ ، ح ۷ ؛ نور الثقلين ، ج ۳ ، ص ۴۲۹ ، ح ۷۳ .

43.مختصر بصائر الدرجات ، ص ۲۱۳ ؛ الغيبة للنعماني ، ص ۱۹۴ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۳۵.

44.سورة ص ، الآية ۲۰ .

45.سورة ص ، الآية ۲۶ .

46.الرسالة السعدية للعلامة الحلي ، ص ۲۵۷ ؛ الإيضاح ، ص ۱۹۳ .

47.الخصال ، ص ۱۶۹ ، ح ۲۲۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۳۰۹ ، ح ۲ ؛ مختصر بصائر الدرجات ، ص ۱۷۰ .

48.الهداية للصدوق ، ۳۴۳ باب ۱۷۹ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۵۲ ، ح ۵۷۶۱ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ۱۷ ، ص ۱۸۶ ، باب ۱۳ ، ح ۱ .

49.مصباح الزائر ، ص ۱۶۹ ؛ مصباح الكفعمي ، ص ۵۵۰ ؛ البلد الأمين ، ص ۸۲ ؛ مزار ابن المشهدي ، ص ۶۶۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵۳ ، ص ۹۵ ، ح ۱۱۱ .

50.سورة الروم ، الآية ۴۱ .

51.سورة المعارج ، الآية ۷ .

52.مجمع البحرين ، ج ۴ ، ص ۱۸۰ .

53.سورة المطففين ، الآية ۲۶ .

  • نام منبع :
    ميراث محدث اُرموي
    المساعدون :
    الاشكوري، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 73638
الصفحه من 384
طباعه  ارسل الي