ولكِنّي والِدٌ ، ومِنّي رِقَّةُ الوالِدِ .
وأمّا ما قُلتَ : كَيفَ يَكونُ هذا خَيرٌ لي ، فَلَعَلَّ ما صُرِفَ عَنكَ ـ يا بُنَيَّ ـ أعظَمُ مِمَّا ابتُليتَ بِهِ ، ولَعَلَّ مَا ابتُليتَ بِهِ أيسَرُ مِمّا صُرِفَ عَنكَ .
فَبَينا هُوَ يُحاوِرُهُ إذ نَظَرَ لُقمانُ هكَذا أمامَهُ فَلَم يَرَ ذلِكَ الدُّخانَ وَالسَّوادَ ، فَقالَ في نَفسِهِ : لَم أرَ ثَمَّ شَيئاً!؟ قالَ : قَد رَأَيتُ ، ولكِن لَعَلَّ أن يَكونَ قَد أحدَثَ رَبّي بِما رَأَيتُ شَيئاً .
فَبَينا هُوَ يَتَفَكَّرُ في هذا إذ نَظَرَ أمامَهُ فَإِذا هُوَ بِشَخصٍ قَد أقبَلَ عَلى فَرَسٍ أبلَقَ ، عَلَيهِ ثِيابٌ بَياضٌ ، وعِمامَةٌ بَيضاءُ يَمسَحُ الهَواءَ مَسحاً ، فَلَم يَزَل يَرمُقُهُ بِعَينِهِ حَتّى كانَ مِنهُ قَريباً فَتَوارى عَنهُ ثُمَّ صاحَ بِهِ فَقالَ : أنتَ لُقمانُ؟
قالَ : نَعَم .
قالَ : أنتَ الحَكيمُ؟
قالَ : كَذلِكَ يُقالُ ، وكَذلِكَ نَعَتَني رَبّي .
قالَ : ما قالَ لَكَ ابنُكَ هذَا السَّفيهُ؟
قالَ : يا عَبدَ اللّهِ ، مَن أنتَ أسمَعُ كَلامَكَ ، ولا أرى وَجهَكَ؟
قالَ : أنَا جِبريلُ ، لا يَراني إلاّ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أو نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، لَولا ذلِكَ لَرَأَيتَني ، فَما قالَ لَكَ ابنُكَ هذَا السَّفيهُ؟
قالَ : قالَ لُقمانُ في نَفسِهِ : إن كُنتَ أنتَ جِبريلَ ، فَأَنتَ أعلَمُ بِما قالَهُ ابني مِنّي .