المقدّمة
«رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَ جِنَا وَذُرِّيَّـتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» . ۱
الولد الصالح ، هو المطلب الطبيعي والفطري لجميع البشر ، فالجميع يتمنّون أن يكون لهم أبناء سالمون وصالحون ، أبناء يكونون قرّة عين ومصدر سرور لهم ، و حتّى البشر غير الصالحين يحبّون أيضا أن يكون أولادهم صالحين.
ولكن هّمة الذين تربّوا في مدرسة القرآن تتجاوز هذا المطلب الطبيعي، فهم لا يريدون أن يكون أولادهم جيّدين وصالحين فحسب، بل يأملون أن يكون أولادهم قادة واُسوة للأناس الصالحين إلى جانب اُسرهم ، فهم يدعون اللّه قائلين:
«رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَ جِنَا وَذُرِّيَّـتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»
والمسألة المهمّة هي : كيف يمكن الوصول إلى هذه الاُمنية السامية وتهيئة الأرضية لإجابة هذا الدعاء، فيما يتعلّق بالأولاد؟
الجواب: أنّ تربية الولد الصالح تعتمد على ثلاثة أركان أساسية، وهي :
1 . الاُسرة الصالحة .
2 . رعاية حقوق الطفل .
3 . شعور الطفل بالمسؤولية .
ويستعرض كتاب تربية الطفل، إرشادات القرآن وأئمة الإسلام حول هذه الأركان في ثلاثة أقسام.
يضمّ القسم الأوّل أربعة فصول، ويدور الحديث فيه حول مسؤولية المجتمع المسلم في تنظيم الاُسَر الصالحة، ودور الوراثة في سعادة الأولاد ، ودور تغذية الوالدين في سلامة الأولاد وسعادتهم، ودور كيفيّة انعقاد النطفة في مستقبل الأولاد، على لسان أئمة الإسلام.
واستعرضنا في القسم الثاني حقوق الطفل من وجهة نظر الإسلام، في ستّة فصول:
الفصل الأوّل: حول حقوق المولود، وهي: 1 . تكريم الولادة، 2 . غسل الولادة، 3 . قراءة الأذان في الاُذن اليمنى والإقامة في الاُذن اليسرى، 4 . التحنيك بماء الفرات وتربة سيّد الشهداء، 5 . اختيار الاسم الحسن، 6 ـ حلق شعر الرأس والتصدّق بوزنه ذهبا أو فضة، 7 . العقيقة، 8 . الختان .
ويدور الفصل الثاني: حول حقوق الطفل الرضيع، ويبين هذا الفصل إرشادات أئمة الإسلام حول تغذية الطفل من لبن الاُم ، أو من المرضع الصالحة وضرورة احترام مشاعره .
وبحثنا فيه الفصل الثالث: موضوع تعليم الطفل وتربيته، باعتباره أهمّ حقوق الأطفال، وتمّ فيه استعراض ملاحظات مهمّة حول أهمّية تعليم الطفل وتربيته والمسؤولية الّتي تتحملها الحكومة الإسلامية والاُسر في هذا المجال، والأهّم من كلّ ذلك الاُسلوب التربوي في الإسلام .
وطرحت في الفصل الرابع: الأخلاق التربوية، مثل: التعامل بالعطف والحنان مع
الطفل، احترام الطفل، التسليم عليه، العدالة في التعامل مع الأولاد، الوفاء بالوعد للطفل وإدخال السرور عليه، باعتبار ذلك يمثل الحقوق التربوية للأطفال.
وفي الفصل الخامس: ألفتنا انتباه التربويين إلى دور الزينة وإشباع حاجة الطفل إلى الجمال، وكذالك دور اللّعب في نمو الطفل.
وفي الفصل السادس: ذكرنا أنّ التأكيد على الدعاء للأولاد والنهي عن الدعاء عليهم يبيّن الدور التربوي للدعاء إلى جانب التخطيط والسعي ، ولذلك ذكرناه باعتباره أحد حقوق الطفل. ويعدّ دعاء الإمام السجاد عليه السلام لأولاده والّذي جاء في ختام هذا الفصل، إرشادا قيّما لجميع الاُسر المسلمة .
وخصصنا القسم الثالث لواجبات الطفل، وممّا ينبغي على التربوي الصالح، بالإضافة إلى أداء الواجبات الّتي ذكرت في القسمين الأوّل والثاني من هذه المجموعة، أن يهيئ الأرضية المناسبة لخلق الشعور بالمسؤولية لدى الطفل. ويقدّم هذا القسم، في أربعة فصول، هي إرشادات في مجال واجبات الطفل الشخصية ، واجباته أمام الأب، الاُم، المعلّم، الذين هم أكبر منه سنا، والأصدقاء .
وممّا يجدر ذكره أنّ المخاطب بهذا الكتاب هم : العوائل، التربويون، الباحثون في مجال تعليم الطفل وتربيته . وبناء على ذلك، فإنّ الكتاب لا يخاطب الأطفال بشكل مباشر .
وقد سعينا لأن يكون هذا الكتاب جامعا لنصوص أهمّ إرشادات القرآن والأحاديث الإسلامية في مجال تعليم الطفل وتربيته، وأضفنا إليه التحليلات والإيضاحات اللازمة .
ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ شرح هذه الإرشادات بحاجة إلى تأليف كتب مستقلة في المجالات المختلفة للقضايا التربوية للأطفال ، ولذلك فإنّ هذا الكتاب من شأنه
أن يكون ذخيرة ثقافية قيّمة لمؤلّفي الكتب الخاصّة بتعليم وتربية الأطفال .
وهنا اُقدّم شكري وتقديري الخالصين إلى جميع الزملاء الأعزاء و الأفاضل في «مركز دراسات علوم ومعارف الحديث» الذين آزروني في تأليف هذا الأثر المفيد والقيّم، خاصّة فضيلة الشيخ عبّاس پسنديده، الّذي أخذ على عاتقه تقديم العون والمساعدة لي في تدوينها وأسأل اللّه ـ تعالى ـ لهم جميعا الأجر الّذي يليق بفضله جلّ جلاله .
ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم
محمّد محمّدي الرَّيشهري
17 جمادى الاُولى 1426 ه .ق