147
الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي

وهو شيخنا الأعظم بهاء الملة والدين ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ وكان إنصافه فوق أن يوصف مع أنّي حين ما تكلّمت بذلك كنت أصغر تلامذته وأحقرهم ومظنوني أنّي لم أكن إذ ذاك بالغاً . وكثيراً ما كان يرجع عن اعتقاده بقولي وقول أمثالي ، وذلك الزمان كان يحضر أكثر فضلاء العصر في مجلسه العالي مع أنّ إسكاتي كان في غاية السهولة لكثرة تبحره في جميع العلوم ، وتشاهد في أبناء هذا الزمان ما تشاهد ، أصلح اللّه أحوالنا وأحوالهم بجاه محمّد وآله الطاهرين .
وهذا أحد وجوه الجمع بين الأخبار ، ولما كان شيخ الطائفة ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ أعلم وأعرف وأتقى لا يتكلّم بأمثال هذه إلاّ نادراً منقولاً عن غيره» . ۱

ذكر الوجه واليد للّه في الأخبار لا يوجب إنكارها

يقول الشارح بعد قول الصَدوق : «ولا يجب أن تنكر من الأخبار ألفاظ القرآن» توضيحاً لمراده : «يعني أمثال ألفاظ القرآن كالوجه واليد والاستواء والمجيء ، لو وقع في الأخبار لا يجب أن تنكر ويقال : إنّ هذه الأخبار ليست من المعصوم ؛ لأنّ كلام اللّه والنَّبي والأئمّة جاء على لغة العرب ، والتَجَوّز في كلامهم شائع بحيث لو خلا كلام عن المجاز لا يستحسنونه ، بل يردونه كما ذكره الزمخشري وغيره . ففي كلّ موضع وقع أمثال هذه الألفاظ يُراعى قرينة المقام وتحمل على ما يوافقها» . ۲

مجرّد عمل المفوضة أو العامّة ببعض الأخبار لا يدلّ على وضعها

لا بُدَّ لنا قبل أن نذكر عبارة الشارح في ذلك المعنى من نقل عبارة الصَدوق . يقول الصَدوق في باب الأذان والإقامة ، من كتاب الصلاة ، بعد أن نقل رواية أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن أبي عبداللّه عليه السلام في كيفية الأذان ما نصّه : «وقال مصنّف

1.روضة المتّقين ، ج ۱۴ ، ص ۴۰۳ ـ ۴۰۵ .

2.المصدر السابق ، ج ۲ ، ص ۳۸۸ ـ ۳۸۹ .


الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
146

روى الشَّيخ عنه أخباراً في الزيارات مشتملة على المثوبات الكثيرة وهو بعض الشيء الّذي ذكره النجاشي .
واعلم أنّ الأئمّة عليهم السلام يتكلمون في كلّ شيء سيّما في المثوبات والعقوبات على حسب عقول الرجال كما ورد في الزيارات . ففي بعض الأخبار أنّ له ثواب عمرة ، وفي بعض حجّة ، وفي بعضها حجّة وعمرة ، وفي بعضها عشرون حجّة وعمرة ، وفي بعضها مئة حجّة وعمرة ، وفي بعضها ألف حجّة وعمرة ، وفي بعضها سبعون ألف حجّة ، وفي بعضها ألف ألف حجّة ، وفي بعضها ضعفها ، وهو بحسب اختلاف الأشخاص في النيات والعقائد والمعارف غالباً ، وكثيراً ما يكون بحسب أحوال المخاطبين ، فإنّهم لو سمعوا المثوبات الكثيرة لبادر عقولهم بالإنكار وهو الكفر وهو في أكثر العالمين كذلك ، فيتكلم الأئمّة عليهم السلام بحسب عقولهم الضعيفة ، ويقولون لهم أقل مراتبها وهو حق فيقع أكثر الأخبار هكذا . فإذا سمع المشايخ من جماعة من الخواص المثوبات العظيمة فإن لم يكن له قوة التمييز بادروها بالإنكار والغلوّ والعلوّ ، كما وقع لي مع بعض المشايخ الأجلاء في مثوبات إطعام المؤمن ، فإنه قال في الدرس : أنّا نعلم قطعاً أنّ أمثال هذه الأخبار كاذبة ، فإنّه ورد أنّ ثواب إطعام المؤمن ألف ألف حجّة ، فحينئذٍ لا يبقى للحجّة مقدار . فذكرت أنّه لا يمكن إنكار أمثال هذه الأخبار ، فإنّها متواترة معنى ، وقلت : أنتم تروون أنّ ضربة علي عليه السلام أفضل من عبادة الثقلين إلى يوم القيامة ، وتعتقدونه ولاشكّ أنّ ذلك بسبب علوّ شأنه عليه السلام ، بل كلّ فعل من أفعاله عليه السلام كذلك ، كذلك كلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام بالنظر إلى غيرهم . فأيّ استبعاد في أن يكون ثواب خلص أوليائهم كذلك ، كما وقع في إطعام المسكين واليتيم والأسير هذه المثوبات العظيمة وكانت فضة الخادمة فيهم مع أنّه فرق بيّن بين الثواب الاستحقاقي والتفضّلي كما تقولون دائماً . فاستحسن كلامي ولم يتكلّم بعده ، بما كان يتكلّم قبله .

  • نام منبع :
    الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
    المساعدون :
    جدیدی نجاد، محمدرضا ، المسعودی، عبدالهادی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 99600
الصفحه من 296
طباعه  ارسل الي