207
الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي

أدوات العمل لكيلا يتعجّل في صرف النظر عن نسخة ويحرم القرّاء من متن يُحتمل أن يكون واقعياً أو حتّى أصح من المتون الاُخرى .
والأمثلة الّتي يمكن أن نسوقها هنا حول تصحيح المتن كثيرة جدّاً ، بحيث إنّنا لو ذكرنا مواضعها وأرقام صفحاتها فقط لملأت صفحات يُعتد بها ، ولذلك فنحن نختم هذا الفصل بالإرجاع إلى عدّة مواضع . ۱

2 . كشف التصحيفات

التصحيف والتحريف عملان حصلا عن قصد أو غير قصد ، وأدّيا إلى عدم وصول المتن الأصلي للحديث إلينا . ومن الطبيعي أنّ تغيير المتن غالباً ما ينطوي على تغيير مفهوم الحديث . ومن هنا فإنّ معرفة وقوعه أو عدم وقوعه من المتطلبات المسبقة لفهم الحديث . وفضلاً عن الاطلاع على نسخ اُخرى ، فإنّ الكشف عن التصحيف يستلزم تنقيباً عقلياً وقياس المتن بالموازين المقبولة في المجالات المتعلّقة بمحتوى الحديث ، لكي نقترب ـ من خلال التعامل المتبادل بين معطيات الحديث ومعرفتنا الذهنية ـ إلى المتن الأصلي الصادر عن المعصوم عليه السلام . والحديث التالي مثال حسن لهذا البحث :
نقل المجلسي رحمه الله في مسألة زواج الخصي حديثاً على الوجه التالي : سئل أبو جعفر عليه السلام عن خصّي تزوّج امرأة وهي تعلم أنّه خصيّ ، قال : جائز ، قيل له : إنّه مكث معها ما شاءاللّه ، ثمّ طلّقها ، هل عليها عدّة ؟ قال : نعم ، أليس قد لذّ منها ولذّت منه ؟ .
الحديث بهذه الصورة يبدو مقبولاً وصحيحاً ، لكن المجلسي قال : «وفي بعضها : قد ولد وولدت منه، وهو تصحيف من النّساخ» ۲ . الحكم الواضح والقاطع للمجلسي رحمه الله

1.اُنظر : روضة المتّقين ، ج ۱ ، ص ۸۰ «أكثر» و «أكبر» ، و ص ۱۰۱ : «ألاّ اُحدث بلساني شيئا» و«ألاّ اُحدث حدثاً» و ص۲۹۱ «أنق غسلي» و«أنق غلّي» و ص ۳۴۴ و ... .

2.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۲۸۲ .


الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
206

دخول الناس في الدين ، بينما جاء فيما رواه كتاب علل الشرائع أنّ الإمام الصادق عليه السلام ينسب هذا القول إلى الرسول صلى الله عليه و آله ، ويصحح إسناد ونسبة الحديث .
وقال أيضاً في موضع آخر عند شرحه لحديث نقله يزيد الكناسي عن الإمام الباقر عليه السلام في شرط استئمار الأب من ابنته لتزويجها ، أنّ هناك زيادة في النقل ، ويستشهد على ذلك بما ورد في تهذيب الأحكام للشَّيخ الطوسي . ۱
والمثال البارز على الزيادة في الحديث ، خلط تفسير الراوي مع متن الحديث . وقد التفت المجلسي رحمه الله إلى هذا الأمر جيداً وأشار إليه في موضعه . نذكر مثلاً أنّه قال بشأن الحديث المنقول عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ليس للنساء من سراة الطريق ، ولكن جنبيه يعني وسطه ، قال بأنّ عبارة : «يعني وسطه» تفسير للسراة من الراوي . ۲
ولم يكتفِ المرحوم المجلسي رحمه الله بما في متناول يده عند تدقيقه متن النسخ ، وإنّما كان يستعين بذاكرته وبما لديه من إحاطة يندر مثيلها بأحاديث أهل البيت عليهم السلام ، ويوجّه النسخ غير المأنوسة . كلّنا سمعنا حديث : لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس . ونستند إليه في كثير من محاوراتنا اليومية ، كما أنّ المجلسي رحمه الله يقرّ هذا المعنى في بداية الأمر ، ولكنه على أساس الأخبار الاُخرى والاستعانة بنسخة قدّم له تفسيراً آخر ربّما أكثر وجاهة ، فقال ما يلي :
«قد تقدّم الأخبار في ذمّ ترك شكر المنعمين من الناس وليس في بعض النسخ لفظة «لا» وكأنّه من النّساخ ، ويمكن أنّ المراد به من كان نظره إلى الناس فقط» . ۳
هذا التوجيه للعبارات الّتي تبدو في الظاهر غير مقبولة ، واستخراج احتمالات مقبولة منها يدلّ على الفهم العميق للمحقّق والمحدّث ، وصواب ما اعتمده من

1.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۱۳۸ .

2.المصدر السابق ، ص ۳۶۷.

3.المصدر السابق ، ج ۱۳ ، ص ۲۱ .

  • نام منبع :
    الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
    المساعدون :
    جدیدی نجاد، محمدرضا ، المسعودی، عبدالهادی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 97869
الصفحه من 296
طباعه  ارسل الي